| رواية انت لي | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 3:04 am | |
| رد العم: "وهل ستنامون دون عشاء؟ اقترب بني". وجلست معهم أملأ أنفي بالرائحة الطيبة... أروى كانت تتولى تقليب المشاوي بهمة... وكانت قد أطلقت شعرها الطويل لنسمات الهواء... وعندما هب نسيم قوي حمل خصلة منه نحو الجمر فحركت يدي بسرعة لإبعاده وأنا أقول: "انتبهي". لا أعرف إن كان العم لا حظ وجود شحنة بيني وبينها أم لا... والخالة سرعان ماتدخلت وأعدت الطبق المنشود وبنفسها حملته إلى غرفة رغد, غير أنها عادت به بعد قليل وأخبرتنا أن الفتاة نائمة.
بعد وجبة غنية كهذه قمت أتمشى في المزرعة وأحرك عضلاتي... غبت طويلا ولما عدت صوب المنزل لم أر غير أروى مضطجعة على ذات البساط الذي كنت نائما فوقه... تراقب النجوم... حينما أحست باقترابي جلست وأخذت تلملم شعرها الذي تعبث به الريح... اقتربت منها ثم ناديتها وقلت: "أروى...يجب أن نضع حدا لكل هذا". وقفت أروى وهمت بالمغادرة وهي تقول: "نعم... سنضع حدا".
*****************
نهضت باكرة جدا... على زقزقة العصافير القوية المتسللة عبر النافذة إلى الغرفة. فيما بعد فتحت النافذة فتدفقت تيارات باردة من الهواء النقي إلى الداخل... وأطللت من النافذة فرأيت الخضرة تغطي المنظر وتأسر الأعين... لم أستطع مقاومة هذه الجاذبية... ارتديت عباءتي وسرت بعكازي بحذر... وخرجت من المنزل. كان صباح رائعا... والشمس بالكاد أرسلت الجيش الأول من أشعتها الذهبية لتغزو السماء. على مقربة من المنزل وجدت السيدة ليندا تحمل سلة كبيرة وتجمع فيها ما تقطفه من العنب. حييتها فردت مبتسمة وسألتني عن أحوال فطمأنتها إلى أنني بخير... ووجدتها فرصة عفوية لأشكرها على وقوفها معي وعنايتها بي أيام أصابتي. " لا داعي للشكر يابنيتي... نحن عائلة واحدة وجميعنا في خدمة بعضنا البعض". كان ردها كريما مثل طبعها... وأشعرني بالخجل من مواقفي السابقة منها بالرغم من أن ندي الحقيقي هو أروى... " إنك طيبة القلب جدا وأنا لا أعرف كيف أشكرك أو أعتذر منكِ على أي إزعاج تسببت به لك". قلت بصدق وعرفان فكررت: "لا ننتظر الشكر من أبنائنا على رعايتهم". عجيب! إنها نفس الجملة التي قالها وليد لي مؤخرا! ولدى تذكري الجملة تذكرت كيف حملني وليد بالكرسي وصعد بي الدرج ثم نزل دون أن تظهر عليه أي إمارة تعب! وكذلك تذكرت (لوحاتي) والموقف الأخير بيننا... آه أنتم تعرفون مسبقا... كم هو طويل وعريض وضخم وقوي ابن عمي الحبيب هذا! الشيء الذي لا تعرفونه والذي اكتشفته مؤخرا.. هو أن صدره واسع جدا جدا... يكفي لأن أغوص فيه وأسبح دون أن أصل إلى بر أرسي عنده! ابتسمت ابتسامة عريضة وأنا أتخيل وليد... ربما اعتقدت السيدة ليندا أنني ابتسم لها مسرورة بجملتها الأخيرة...! خطوة مبتعدة عنها ومتغلغلة في عمق المزرعة بسرور... ملأت صدري من الهواء المنعش الذي شعرت به يسري حتى في أطرافي... وكان عابقا بمزيج من رائحة الخضرة والزهور... كم كان هذا رائعا خلابا... بعد فترة من الزمن.. ظهرت الشقراء أمامي فجأة.. كانت ترتدي ملابس بيتية وتطلق شعرها الطويل للهواء الطلق.. وتسير على العشب حافية القدمين.. اصطدمت نظراتنا ببعضها وتنافرت بسرعة! هممت بالانسحاب بعيدا عنها لكنها فجأة نادتني: "انتظري". ماذا؟! أنا أنتظر؟ ومعكِ أنتِ؟ ألقيت عليها نظرة لا مبالية وهممت بالمغادرة غير أنها اعترضت طريقي... "ماذا تريدين؟" سألتها بحنق فأجابت: "ألا يمكننا التحدث ولو للمرة الأخيرة... كشخصين ناضجين؟" لم أستسغ مقدمتها هذه وفي الواقع أنا لا أستسيغ منها أي شيء... قلت بحدة: "أي حديث بعد؟! بعد الذي فعلته!" أروى قالت مدافعة: "أنا لم أفعل شيئا يا رغد... وكلانا يدرك أنه كان حادثا عفويا... ولو كنت أعلم مسبقا بأنك ستتضررين هكذا ما كنت اعترضت طريقك". عقبت باستهجان: "وها أنتِ تعترضين طريقي ثانية...وقد ينزلق العكاز مني وأقع وأصاب من جديد... فهل ستقولين عنه إنه حادث عفوي؟" ابتعدت أروى عن طريقي فحثثت الخطى قدر الإمكان... مولية عنها... سمعتها تقول من خلفي: "لكننا سنضع حدا لكل هذا يا رغد... والحال لن تستمر على هذا النحو". لم ألتفت إليها.. فتابعت: "من الأفضل أن نناقش الأمر بيننا نحن قبل أن نضعه على عاتق وليد". توقفت... فاسم وليد هز وجداني.. لكنني لم أستدر إليها.. وسمعتها تتابع: "وليد لن يتحمل وجودنا معا... ولا يستحق هذا العناء... المكان لا يتسع لكلينا... وعلى واحدة منا الانسحاب طوعا". أثارتني عبارتها الأخيرة أيمّا إثارة... وأرغمتني على الالتفات إليها وأنا أحبس أنفاسي من الذهول... تابعت هي: "أجل يا رغد... على إحدانا الانسحاب من دائرة وليد... وتركه يعيش بسلام مع الأخرى". ازداد اتساع حدقتي عيني وتجمع الهواء الفاسد في رئتي فاضطررت إلى زفره بقوة... أروى سارت مقتربة مني... حتى صارت أمامي وهي محملقة في وجهي... قالت: "إحدانا يجب أن تضحي من أجل راحة وليد..." لازلت متسمرة على وضعي... لا أكاد أصدق ما أسمع... تغيرت نبرة أروى إلى الحزن.. وتابعت: "رغد.. هل تفهمين ما أعنيه؟" أطرقت برأسي كلا... كلا لا أريد ان أفهم.. كلا لا أريد أن أسمع المزيد.. لكن أروى قالت: "بل تفهمين... البارحة وليد لم ينم مطلقا... راقبته قبل نومي ورأيته يحوم في المزرعة بتشتت... وعندما نهضت فجرا وجدته لا يزال في الخارج شاردا لحد الغيبوبة... إنه لا ينام منذ أيام... أوضاعنا تشغل باله لأبعد الحدود... إنه مهموم جدا ويعاني الأمرين بسببنا... وأنا أريد أن نضع نهاية لهذا... هل فهمت؟" كان صوت أروى يخترق أذني بعنف... وقلبي يتقطع وأنا أسمع منها كلاما كهذا لأول مرة... قالت: "أعتقد... أن أمر وليد يهمك كما يهمني.. أليس كذلك؟" لم أجب فكررت السؤال: "أليس كذلك يا رغد؟" قلت أخيرا: "بلى.. قطعا". أروى قالت بنبرة أشد حزنا: "يجب أن تضحي إحدانا من أجل راحته... إنه يستحق التضحية". نظرت إليها بعمق لم يسبق لي أن نظرت إليها بمثله... بجدية لم يسبق أن علت نظراتي إليها... وباهتمام لم يسبق أن أوليتها لها من قبل... وكانت تبادلني النظرات... ولم أشعر إلا بدمعة تتجمع في مقلتي ثم تسيل حارقة على خدي... خرجت الجملة من حنجرتي واهية مذعورة: "تقصدينني أنا؟؟" لم تتكلم أروى.. فقلت وأنا أحرك رأسي رفضا: "مستحيل..." فإذا بها تقول: "صدقيني... لقد وصلنا إلى مرحلة لا يمكن أن نستمر نحن الثلاثة معا.. مطلقا" أخذت شهيقا باكية وقلت: "لكن... لكنه الوصي علي... لا يمكنني الاستغناء عنه.. إنه كافلي". قالت: "وهو زوجي أيضا". وخزتني جملتها وقرصت قلبي... فقلت رافضة: "أنت تعبثين بي... تتلاعبين بمشاعري". أروى قالت: "إنها الحقيقة يا رغد وأنت تدركينها.. لكنك تخدعين نفسك... انظري إلى حال وليد بيننا ... هل يعجبك؟ هل يرضيك أن يعاني كل هذا التشتت؟ هل ترضين له.. هذه المرارة". وتخيلت صورة وليد وهو يتشاجر معي ليلة حفلة العشاء... ويقول لي إنه تعب من تقلبات مزاجي.. ويطلب مني تركه يستريح قليلا... وشعرت بسكين قوية تمزق قلبي... طأطأت رأسي إلى الأرض فهوت دموعي مبللة العشب... آه يا وليد... هل أنت تعاني بسببي أنا؟ هل أنا سبب تعكير مزاجك؟؟ هل وجودي معك هو خطأ كبير علي تصحيحه؟ لكن.. ماذا عني أنا؟؟ أنا لا أستطيع العيش بدونك.. إنك الهواء الذي أتنفسه وإن انقطعت عني.. فسأموت فورا.. "رغد". خاطبتني الشقراء فرفعت بصري إليها ولم أرها من غزارة الدموع... "رغد.. يجب أن نناقش الأمر.. يجب ألا نستمر في هذه الدوامة التي ستقضي على وليد أولا.. إن كنا نكترث لأمره بالفعل..فيجب أن نتصرف بإثار.. لا بأنانية.. على إحدانا أن تخلي الساحة.." عصرت عيني لأزيح الدموع عنها ثم قلت بصوت حزين: "لماذا لا تكون ...أنت؟" أروى تنهدت ثم قالت: "أنا.. مستعدة لأن أفعل ذلك من أجل وليد.. أحبه كثيرا وسأضحي بمشاعري لإراحته.. صدقيني أنا أعني ما أقول.. لكن.." قلت: "لكن ماذا؟" أروى نظرت إلى الأشجار من حولها.. ثم إلى السماء.. ثم عادت إلي.. "وليد.. متعلق جدا بعمله.. لقد.. كان حلم حياته أن يدير شركة أو مصنعا, كما كان والده رحمه الله..
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 3:07 am | |
| تعرفين أن وليد متخرج من السجن.. ولا يحمل شهادة دراسية غير الثانوية... لم يرحب أحد به للعمل عنده.. وبالكاد وجد عملا كفلاح بسيط في مزرعتنا لقاء المأوى والطعام.. وليد عانى كثيرا وعاش فترة بائسة جدا العام الماضي.. ربما لم تشعروا بها كما شعرت بها أنا... وأنا, وأنت كذلك.. كلانا لانريد له أن يعود لذلك البؤس من جديد.. أليس كذلك؟؟" هززت رأسي ثم هتفت: "كفى" واستدرت أريد الهروب بعيدا عن صورة أوروى وكلامها... لكنها تابعت وهي تعلي صوتها: "إذا كنت تحبين وليد فعلا فابتعدي عنه... لا تعيديه إلى البؤس يا رغد". تابعت طريقي بأسرع ما أمكنني... ولحقتني عبارتها: "فكري في الأمر مليا... من أجل وليد". كفى... كفى... كفى... كنت أسير وأحرك رأسي محاولة نفضه عن كل ما علق به من كلام أروى... عندما وصلت إلى غرفتي اندفعت بسرعة أكبر نحو سريري فتعثرت ووقعت قبل أن أصله... وعلى الأرض رميت برأسي ونثرت دموعي وأنا أكرر: "كلا... كلا... كلا..." وعبثا حاولت طرد كلامها من رأسي... غدا كالسم... يسري في عروقي كلها ويشل تفكيري وحركتي ويعميني عن رؤية غير السواد...
********************** لم أكن نشيطا هذا اليوم... فقد استيقضت عند الظهيرة بعد نوم سطحي ساعات النهار... تفقدت الآخرين فوجدت العم إلياس في الساحة الأمامية للمنزل مشغولا بتنظيف الصناديق الخشبية المستخدمة في جمع الثمار مما علق بها من بقايا ثمار وأتربة. هذا الرجل لا يكف عن العمل! ورغم أننا وظفنا مجموعة من العمال للعناية بالمزرعة لساعات معينة من النهار, غير أنه ما فتىء يستخدم ساعديه وبهمة كما في السابق. بعد حوار بسيط ساعدته على تنظيف الصناديق ثم ترتيبها فوق بعضها البعض, لعل النشاط يدب في بدني النهك.. وحالما فرغنا من الأمر فاجأني العم بهذه الجملة... "بني... أريد أن نتحدث بشأنك أنت وأروى". أدركت من خلال النظر إلى عينيه أنه صار على علم بما حصل مؤخرا... التزمت جانب الصمت فقال مستدرجا: "أريد أن أسمع منك ما حكاية عمار عاطف؟" شعرت باستياء.. فقد وصل الموضوع الآن إلى العم.. وصار موقفي محرجا جدا.. تبا لك يا عمار.. قتلتك منذ 9 سنين وحتى الآن لم أتخلص منكَ؟؟ أجبت أخيرا: "هل أخبرتك أروى؟" قال: "إنهما لا تخفيان عني شيئا يا وليد". وظهر شيء من القلق على ملامح العجوز.. مم أنت قلق يا عمّي؟؟ وهل اهتزت ثقتك بي أنت أيضا؟؟ أنا لا أتحمل خسارة الإنسان الأول الذي قدم لي الاحترام والثقة والمعوتة وفتح لي باب قلبه وبيته بينما كل الأبواب موصدة في وجهي.. بعد خروجي من السجن.. قلت مدافعا: "عمّاه.. أرجوك صدقني.. أنا لم أقصد أن أخفي عليكم حقيقة أنني قاتل ابن أخ نديم رحمه الله". وبدا الاهتمام الشديد على وجه العم, وأصغى بكل جوارحه... فتابعت: "حتى نديم ذاته لم يعرف هذه الحقيقة. لقد كان صديقا وأبا لي في السجن وأحببته كثيرا... وحضوري إليكم وارتباطي بكم كان بدافع الوفاء له.. لم أجد منلسبة لكشف هذا ولم أعتقد أن الأمر سيسبب كل هذا التعقيد"؟ العم أظهر تعبيرات التفهم التي أراحتني بعض الشيء ثم قال: "حسنا.. ربما لم تكن هناك مناسبة لذكره مسبقا, أما الآن وقد ذكر.. فاعذر فضولنا لنعرف لماذا قتلته أو على الأقل.. لماذا لا تريد أن تفصح عن السبب". رمقت العم بنظرة رجاء... اعفني يا عم من من هذا... أتوسل إليك... لكن نظراته كانت تنم عن الإصرار.. أشحت بوجهي بعيدا عن عينيه.. وقلت: "لا أسطيع". العم رفع يديه إلى كتفي وقال: "وليد.. انظر إلي". بتردد أعددت عيني إلى عينيه.. وحملقنا في بعضنا البعض لفترة.. بعدها أبعد العم يديه وقال: "كما تشاء". ثم ابتعد عني... ناديته برجاء: "عمّاه.." وحين نظر إلي قلت: "أرجوك.. لاتتخذ مني موقفا بسبب هذا.." العم ابتسم وقال: "لا عليك يا بني". جملته طمأنتني فقلت: "أسبابى قهرية". قال: "عرفت ذلك. إنك أنبل من أن تقتل شخصا لأسباب أصغر". تنهدت باطمئنان وقلت: "آه.. أشكرك ياعمي... أرحتني". العم إلياس ابتسم وقال: "الأهم أن نريح الفتاة التي تراقبك من النافذة خلسة!" وعندما التفت إلى ناحية المنزل لمحت أروى تقف عند النافذة وتنظر إلي... ذهبنا بعد ذلك أنا والعم لتأدية الصلاة وعندما عدنا كانت مائدة الطعام معدة لي وللعم في غرفة الطعام, وللسيدات في المطبخ كما جرت العادة. أطللت على المطبخ برهة وكما هو متوقع لم أجد رغد. سألت عنها فأخبرتني الخالة أنها دعتها للمائدة غير أنها اعتذرت عن المشاركة. أردت أن أتفقد الصغيرة بنفسي.. ولم أكن قد رأيتها منذ البارحة.. وأنا أعرف أنها منزعجة من النزول في المزرعة... طرقت باب غرفتها فأذنت لي بالدخول.. سألتها عن أحوالها فطمأنتني إلى أنها بخير.. ولكنني أنا وليد أعرف متى تكون صغيرتي بخير! "ما بك يا رغد؟" سألتها بقلق فردت مباشرة: "لا شيء" قلت مشككا: "متأكدة؟" أجابت: "طبعا!" نظرت إلى عينيها غير مقتنع وقلت: "لا تخفي عني شيئا يا رغد". وما كدت أنهي جملتي حتى فاضت دموع حارة كانت مختبئة في عينيها... "رغد!" "رغد!" بسرعة مسحت رغد دموعها وتظاهرت بالتماسك وادعت: "أنا بخير". قلت محتجا: " وهذه الدموع؟" قالت زاعمة: "فقط.. مشتاقة إلى خالتي". لا يمكنك خداعي يا رغد... هناك ما تخفينه ولا ترغبين بالبوح به... اقتربت منها وقلت: "تعرفين أنني سآخذك إليها اليوم.. فلماذا الدموع؟" رغد غيرت تعبيرات وجهها محاولة إظهار المرح وابتسمت وقالت: " متى نذهب؟" أجبت مجاريا: "الخامسة ننطلق بعون الله". فقالت: "بعون الله". ثم ابعدت عينيها عني لئلا أقرأ المزيد... لم أشأ إزعاجها فتجاهلت دموعها وقلت: "حسنا.. سأطلب من الخالة جلب وجبتك". وهممت بالانصراف غير أنها قالت: "كلا شكرا. لا أشعر بالجوع الآن". قلت: "هل تناولت شيئا في الصباح". ولم ترد. قلت مستاءً: "لم تأكلي شيئا مذ غادرنا المنزل؟" قالت: "بلى.. عنقود العنب". قلت مستاءً: "كلا... رجاء لاتتهاوني في ذلك.. أم أنك لم تتعظي مما حصل تلك الجمعة؟ لا يتحمل جسمك النحيل الجوع". فرددت رغد مبررة: "لكني لا أحس بالجوع الآن". قلت مقاطعا: "حتى وإن.. لن أثق بإحساسك بعد الذي حصل. سأجلب غذاءك بنفسي". قالت معترضة: قلت لك لا أشتهي شيئا وليد أرجوك! أنا لست طفلة". أحقا! أتظنين نفسك لست طفلة؟؟ أو تعتقدين أن الأعوام التسعة التي أضيفت إلى عمر طفولتك التي فارقتك عليها... زادتك في نظري كبرا ونضوجا؟؟ بل أنتِ طفلتي التي مهما دارت بها رحى السنين ستظل في عيني صغيرة لا بد لي من العناية بها.. لم أشأ وقتها أن أضغط عليها أو أحرجها.. خصوصا وأنا أشعر بأن هناك ما يضايقها.. فقلت: "حسنا.. لكن يجب أن تأكلي شيئا قبل موعد المغادرة..اتفقنا؟" فأجابت بملل: "حاضر". أخفضت صوتي وجعلته أقرب إلى الهمس العطوف وأضفت: "وإذا كان هناك أي شي يضايقك.. وأحسست بالحاجة لإخباري.. فلا تترددي.." نظرت إلي رغد نظرة مطولة ثم قالت: "بالتأكيد". وبالتأكيد هذه خرجت من صدرها متشحة بحزن عميق ضاعف مخاوفي.. استأذنتها بالانصراف.. وحالما بلغت الباب سمعتها تقول فجأة: "وليد.. سامحني!" أي تأثير تتوقعون أن جملتها هذه أوقعت على نفسي؟؟ ماذا جد عليك اليوم يا رغد؟؟ صحيح أنني اعتدت على تقلباتها... وانفعالاتها المتفاوتة... كونها تغضب وترضى وتفرح وتحزن بسرعة... ولا يتوقع المرء موقفها التالي, غير أن حالتها هذه الساعة جعلت قلبي ينقبض ويتوقع أزمة مقبلة.. لطفك يا رب..
**************** كل الساعات الماضية وأنا أفكر فيما قالته الشقراء... وأشعر بقلبي ينعصر. لا شك أنها محقة فيما قالت وأن وليد بسبب وجودي في حياته وتوليه مسؤوليتي العظمى.. مع وجود الخلافات المستمرة بيني وبين الشقراء... لا شك أنه يضغط على نفسه كثيرا ويعاني.. طوال الوقت وأنا أتصرف بأنانية ولم أفكر به.. بما يشعر وبما يثقل صدره ويرهق كاهله.. جعلته يغير ظروف حياته لتناسبني أنا.. وحملته الكثير.. الكثير.. هذه الساعة أنا أشعر بالذنب وبالخجل من نفسي.. والغضب عليها.. آه يا وليد قلبي... هل ستسامحني؟؟ فكرت في أنني يجب أن أختفي من حياته وأخلي طرفه من المسؤولية علي.. حتى يرتاح.. ويهنأ بحياته.. لكن الفكرة ما أن ولدت في رأسي حتى وأدها قلبي بقسوة.. وأرسل رفاتها إلى الجحيم.. أنا أبتعد عن وليد؟؟ مستحيل! مستحيل... لا أستطيع.. إنه الروح التي تحركني والأرض التي تحملني والدنيا التي تحويني.. أحبه وأريد أن أبقى ولو اسما منقوشا على جدار يمر به كل يوم.. أحبه أكثر من أن أستطيع التخلي عنه.. أو حتى تخيل العيش بدونه.. عند الخامسة أتى وليد لحمل حقيبة سفري.. وتبعته إلى الخارج.. كان يسير وأسير على ظله الطويل.. شاعرة برغبة مجنونة بأن أرتمي عليه.. وصلنا إلى السيارة وأدخل وليد الحقيبة فيها.. وفتحت أنا الباب الخلفي لكي أجلس وأسلمه العكاز ليضعه مع الحقيبة.. وليد قال وهو يفتح باب المقعد الأمامي المجاور لمقعد السائق: "اركبي هنا يا رغد". نظرت إليه مستغربة.. فقد اعتدت أن أجلس خلفه... وهذا الموضع صار من نصيب الشقراء الدخيلة... قال وليد معللا: " فالمكان أوسع وأكثر إراحة لرجلك". وكانت هذه السيارة أهداها سامر لوليد قبل أشهر والتي اصطدمنا فيها بعمود الإنارة في ذلك اليوم الممطر.. وهي أصغر حجما من سيارة وليد الجديدة التي يستخدمها في المدينة الساحلية.. أذعنت للأمر ولما جلست تناول هو عكازي ووضعه على القاعد الخلفية, ثم أقبل وجلس خلف المقود وأدخل يده في جيبه وأخرج هاتفه ووضعه على المسند, وتفقد جيبه الآخر ثم التفت إلي وقال: "انتظريني رغد... نسيت شيئا.. سأعود حالا". وغادر السيارة عائدا أدراجه إلى المنزل...
*****************
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 3:12 am | |
| انتبهت إلى أنني لم أحمل محفظتي معي.. وكنت قد تركتها على المنضدة في غرفتي منذ البارحة.. وقد حملت فيه مبلغا ماليا لأعطيه لرغد لتنفق منه أثناء إقامتها في بيت خالتها... تركت رغد في السيارة وذهبت لإحضار المحفظة.. وفيما أنا في الغرفة أتتني أروى.. كانت تتحاشاني نهائيا منذ قدومنا.. عدا عن خصامها لي منذ أيام.. وكانت أخر مرة تحدثنا فيها ولو قليلا هي ليلة حفلة عشاء رغد.. والتي لم تدع لي المجال لأي حديث معها بعدها... وبدوري لم أتعمد ملاحقتها أو الضغط عليها.. أردت أن نأخذ هدنة ليومين أو ثلاثة.. نتنفس الصعداء ونسترخي في المزرعة.. ثم نعود لمناقشة أمورنا من جديد... عندما رأيتها وقفت برهة ولم أتكلم.. "إذن.. ذاهبان الآن؟" بادرت هي بالسؤال فأجبت: "نعم". ظهر عليها التوتر ثم قالت: "وهل ستمكث هناك؟" أجبت: "سأبقى لبعض الوقت, ثم أذهب إلى شقيقي.." سألت: "ومتى ستعود؟" أجبت: "غدا مساء على الأرجح.. أريد قضاء بعض الوقت مع شقيقي فنحن لم نلتق منذ فترة". ظهر مزيد من التوتر على وجه أروى.. سألتها: "أهناك شيء؟" سارت أروى نحوي حتى صارت أمامي.. قالت: "وليد أنا... أنا..." ولم تتم إنها مترددة. "ما الأمر؟" تشجعت قليلا وقالت: "أنا.. أعتقد أنك لا يمكن أن تقتل شخصا دون سبب قوي جدا.." وصمتت.. أدهشني كلامها بادئ ذي بدء... فأنا لم أتوقع أن يبدأ الحديث بيننا بهذا الموضوع بالذات بين كل المواضيع العالقة, والأكثر أهمية.. لكن الواضح أنه أول ما يشغل تفكير أروى.. تابعت: "أخبرني خالي.. بأن أبي رحمه الله.. كان يقول عن عمار إنه شخصا سيئا.. وأن عمي عاطف رحمه الله قد أخفق في تربيته.. وأنه أي أبي.. كان يشعر بالعر منه". حبست نفسي لئلا أتفوه بسيل منجرف من الشتائم..سئ فقط؟ أنت لا تعرفين من كان ابن عمك الذي تتحرقين شوقا لمعرفة سبب قتلي إياه.. وكأنه ضحية بريئة.. تابعت: "حسنا.. أنا لن أسألك عن السبب ثانية.. واخف عني ما تريد إخفاءه بالنسبة لموضوع عمار... لكننا يجب أن نتناقش بموضوع رغد". أثارني ذكر رغد.. فقلت بلهفة: "رغد؟" أروى أكدت: "نعم رغد... الوقت غير مناسب الآن.." أقلقتني جملتها في وقت كنت أنا فيه قلق ما يكفي ويزيد... خصوصا مع حالة رغد الجديدة اليوم.. وخطر ببالي أنهما - أي رغد وأروى- ربما تشاجرتا معا من جديد.. فعدت أسأل: "ماذا عن رغد؟" ألقت علي أروى نظرة قوية التعبير ثم أجابت: "الحديث يطول.. وأنت على وشك المغادرة". فنظرت إلى ساعة يدي ثم قلت مستسلما: "حسنا.. عندما أعود غدا.. نتحدث". وفي رأسي فكرة تقليص فترة الهدنة, بما أن أروى قد بادرت بالحديث معي.. أروى أخذت تحرك رأسها اعتراضا ثم إذا بها تقول: "أرجوك أن.. تبقى مع شقيقك بضعة أيام". فوجئت بطلبها.. الذي جاء عكس استنتاجاتي.. ولما رأت تعبيرات الدهشة على وجهي قالت مبررة: "أريد ألا نتقابل لبعض الوقت.. لا تسئ فهمي.. من الأفضل أن نرخي أعصابنا حتى نفكر بهدوء.." أصابني طلبها بجرح.. ولكني تظاهرت بعدم التأثر وقلت: "فهمت.." وتذكرت آنذاك أنني كنت قد وعدت عمي بمرافقته في مشوار مهم يوم الغد بشأن المزرعة.. "إذن سأعتذر لخالك عن العودة.. وأحمل بعض الحاجيات". وذهبت للبحث عنه ووجدته في المطبخ يساعد الخالة ليندا في تنظيف السمك.. أخبرته بأنني سأقضي بضعة أيام مع شقيقي واعتذرت عن مرافقته.. وودعته هو والخالة بوجه مبتسم.. عدت بعدها إلى غرفتي وحملت حقيبتي الصغيرة التي أتيت بها إلى الجنوب وفيها بعض ملابسي وحاجياتي... وأعدت الأشياء التي كنت قد استخرجتها منها.. وبينما أنا مشغول بها سمعت صوت أروى تناديني.. "وليد". عندما التفت إليها رأيتها واقفة عند الباب ووجهها يبدو حزينا وممتقعا.. ولمحت دمعة تنساب من عينها.. سألت بقلق: "ما بك الآن؟؟" وكان جوابها بأن أقبلت نحوي.. ووضعت رأسها في حضني وطوقتني بذراعيها بحرارة..
**********************
تأخر وليد! قال إنه نسي شيئا وسيعود في الحال.. وتركني جالسة في السيارة والتي لم يشغل محركها ولا مكيفها! شعرت بالحر والاختناق ففتحت باب السيارة أتنفس الهواء الطلق.. وبعد دقائق داهمني الشعور بالقلق.. لماذا تأخر وليد؟؟ خرجت من السيارة واستخرجت عكازي منها وذهبت كي أتفقده.. ذهبت مباشرة نحو غرفته ورأيت الباب مفتوحا.. ولم يكن علي إلا أن ألقي نظرة عن بعد عبر فتحه حتى أرى حبيب قلبي يعانق أكثر فتاة كرهتها في حياتي.. على الإطلاق.. الصورة أعشت عيني.. وخدرت أصابعي.. ومزقت بقية أربطة مفاصلي فتفككت وانفصمت مفصلا مفصلا.. انسحبت أجر أطرافي جرا وأتخبط في سيري حتى بلغت الباب الرئيسي وخرجت إلى الشمس دون أن أرى شيئا.. شعرت بالعتمة تلون كل ما حولي.. وبمفاصلي المنفصمة تخر هاوية.. أمسكت بالباب أنشد دعمه لكنه أرجحني معه.. وحتى عكازي.. خانني في آخر لحظة وسلمني أسيرة الوقوع أرضا.. ربما رق الحجر لحالي؟ لم أشعر بأي ألم.. أو ربما البنج الذي سببته الصدمة لي أتلفت أعصابي الحسية.. فما عدت أشعر بأي شيء.. أي شيء.. ثوان وإذا بالباب يتحرك ومن خلفه يطل الرجل الطويل.. العملاق الذي أحبه.. والذي رغم كل السواد.. والظلام والعتمة.. استطعت رؤيته.. والذي فور رؤيتي له تدفق النزيف من قلبي مجتاحا كل المشاعر.. كان يتكلم.. لكنني لم أسمعه.. ثم رأيته يجلس على العتبة قربي ويمد يده إلى عكازي.. ويقربه مني.. ماذا يقول هذا الرجل؟؟ ماذا يطلب مني؟؟ هل يريد أن أقف؟ ألا يرى مفاصلي مفككة؟؟ ألا يرى عضلاتي مشلولة؟؟ ألا يرى الدماء تغرق جسدي؟؟ ألا ترى كل ذلك يا وليد؟؟ ألا ترى كل ذلك؟؟ أسنتدت رأسي إلى الجدار.. وأغمضت عيني.. وتمنيت ألا أفتحهما بعد الآن أبدا..
*****************************
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 3:13 am | |
| "رغد ماذا جرى لك؟" قلت ذلك ومددت يدي تلقائيا إلى وجه رغد وضربته بخفة... فقد كانت نغمضة العينين وكأنها ستفقد وعيها.. ولي معها سابق مواقف.. فتحت رغد عينيها ونظرت إلي مباشرة. قلت مفزوعا: "أأنت بخير؟؟" نظرت رغد من حولها أولا وكأنها تستفيق من نوم أو إغماءة.. بدا على وجهها التيه والضيعان..ثم نظرت إلي وكأنها ليست واثقة ممن أكون.. ثم وضعت يدها على جبينها كأنها تسترجع الذاكرة.. وأخيرا قالت: "تعثرت بالعتبة". قلت بلهفة: "سلامتك.. هل أصبت؟" فحركت رأسها نفيا.. مددت يدي لأساعدها على النهوض: "قومي بنا إلى السيارة". لكن رغد لم تقم بل أسنتدت مرفقها إلى رجلها ورست برأسها على كفها اليسرى وقالت: "انتظر قليلا.." وظهر عليها الإعياء.. ما فجر سيول قلقي المتكدسة منذ الظهيرة.. قلت: "رغد.. يبدو عليك الإعياء.. أخبريني بصدق.. هل أنت بخير؟ هل تشعرين بدوار؟"
أومأت رغد بنعم, لكنني لم أطمئن.. قلت: "لا تبيدين كذلك.. أراهن أنك لم تسمعي كلامي, ولم تأكلي شيئا.. أليس كذلك؟" ولم ترد.. فتأكدت من شكوكي وقلت بغضب ممززوج بالقلق: "متى تتوقفين عن هذا العناد...؟ هل يجب أن تكرري ما حصل وتجففي دمائي من القلق عليك؟ جسمك أضعف من أن يتحمل عنادك.. رأفة بنفسك وبي.. لقد أهلكتني". ولم أنتبه لقسوة كلماتي إلا حين رأيت وجه رغد يلتفت إلي ويكفهر ويصفر.. بعدها قلت بنبرة ألطف: "سوف لن نغادر وأنت بهذه الحالة". هنا اعترضت رغد وقالت" "كلا أرجوك.. أنا بخير الآن". قلت مناقضا ادعائها: "لا لست بخير.. أرى هذا بوضوح". قالت مصرة: "أنا بخير.. صدقني.. تعثرت بهذه العتبة لا أكثر.. دعنا نذهب الآن". ثم أمسكت بالعكازونهضت واقفة لتثبت لي أنها على ما يرام.. لكني أعرف أنها ليست كذلك.. إنها تلتهم أنفاسها النهاما وتتحرك ببطء.. ويطغى الشحوب على وجهها.. قلت: "دعينا ندخل إلى الداخل.. ستتناولين وجبة كبيرة وتنالين قسطا من الراحة قبل أن نغادر". رغد استماتت معترضة: "رجاء وليد... دعنا ننصرف الآن". لم أصدقها وبقيت مصرا على موقفي, وهي مصرة على عنادها... "لن نتحرك خطوة واحدة وأنت بهذا الشكل.. ماذا إن انهرت علي في الطريق؟؟ واضح من لونك أنك مرهقة. ستدخلين الآن إلى المنزل وتأكلين بعض الطعام ماذا وإلا فأنني سأؤجل الرحلة إلى الغد". وأمسكت بيدها بلطف أحثها على السير نحو الداخل غير أنها سحبتها وقالت ببعض العصبية: "قلت لك لا أريد شيئا من هذا المكان.. ألا تفهم؟؟" حينها أدركت موقفها.. فقلت: "في هذه الحالة... إذن.. سنمر بأحد المطاعم قبل المغادرة". ولم تملك رغد إلا أن تنصاع للأمر.. سرنا عائدين إلى السيارة ببطء وحذر.. وهي بعكازها.. وأنا بحقيبة سفري.. جنبا إلى جنب.. وخطوة بخطوة.. كنت خاش عليها أن يداهمها الدوار كما في المرة السابقة, لا قدر الله... فتحت الباب الأمامي وطلبت منها الجلوس.. على المقعد المجاور لمقعدي... لتبقى على مقربة مني.. وتحت ناظري مباشرة.. وانطلقنا بعون الله... توقفت عند أحد المطاعم واشتريت لها وجبة كبيرة أجبرتها على تناولها عن آخرها.. وأعترف بأنني كنت صارما معها.. فأعرف أن جسدها النحيل لا يحتمل الجوع الطويل.. وبعد تجربتي الأخيرة معها في منزلنا الكبير... لن أسمح لها التهاون بشأن الطعام... طوال المشوار.. رغد كانت صامتة صمتا مغلقا.. أنا غير مرتاح من حالها اليوم ولكنها لم تشأ إخباري بشيء... والله الأعلم.. بم تفكر الآن... أما أنا, فإلى جانب تفكيري بها كنت أفكر بقلق في عائلة خالتها وما سيقولونه عن إصابتها... وسرعان ما ثبت لي أن مخاوفي في محلها... أم حسام, وبمجرد أن رأت الصغيرة تدخل المنزل بالعكاز.. لطمت على وجهها وصرخت: "ابنتي.. ويلاه". وأقبلت مسرعة مولولة.. وضمت الفتاة إلى حضنها وبدأت بالنواح.. ورغد سرعان ما انفجرت بكاء عميقا على صدر خالتها مما زاد الأمر دراما واشتعالا... أردت أن أتكلم.. أن أسلم.. وأوضح الأمرفقلت: "خالتي". ولم أكد أتم الكلمة حتى رأيت أم حسام ترفع رأسها وتنظر إلي وقد توهج وجهها احمرارا وفاضت الدموع من عينيها وتطاير الغضب من بؤبؤيها وإذا بها تصرخ: "ماذا فعلت بالفتاة أيها المتوحش؟ لا بارك الله فيك ولا في اللحظة التي تركت ابنتي فيها تحت رحمتك أيها المجرم القاتل". ذهلت... صعقت.. ووقف شعر رأسي من كلامها الجنوني... ألجم لساني من الهول... حاولت النطق بأي شيء.. فإذا بها تمطرني بدعوات شريرة مزلزلة... "لا بارك الله فيك... لا وفقك الله في شي... حطم الله قلبك كما حطمت قلبي على ابنة أختي". صرخت: "رغد". مستنجدا.. قولي شيئا! تظن خالتك أنني كسرت عظامك وعن عمد... قولي شيئا يا رغد.. أوضحي لهم... لكن رغد لم تتكلم.. حتى أنها لم تنظر إلي.. التفت من حولي فرأيت أعين بقية أفراد العائلة تحملق بي والشرر يتطاير منها.. ما هذا؟؟ أكلكم تظنون أنني كسرت عظامها؟؟ هل تعنون هذا؟؟ فجأة سمعت صوت حسام يقول بحدة: "ماذا فعلت بها؟". أجابت أم حسام منفعلة: "ألا ترى؟ كسر عظامها كسر الله عظامه ودكها دكا". أبو حسام تدخل ها هنا وقال: "رويدك يا أم حسام هداك الله... دعينا نسمع منه ما حصل". والتفت إلي وقال: "هيا بنا إلى الداخل". ووقفت مكاني مذهولا من موقف أم حسام المهاجم بعنف دون استيضاح الأمور... ومن موقف رغد الصامتة وكأنها تؤيد خالتها في هجومها اللاذع ضدي... نظرت إلى رغد شاعرا بالخذلان.. كيف تدعيهم يظنون بي هكذا ثم لا تدافعين عني ولا بكلمة ولا إيماءة واحدة؟؟ أم حسام سارت مسندة لرغد التي خطت بعكازها مبتعدة عني... دون أن تلقي علي أي نظرة... قال أبو حسام: "تفضلوا جميعا". بقيت واقفا متسمرا في مكاني يحول ذهولي من كلام أم حسام دون حراكي, فالتفت أبو حسام إلي ومد يده نحوي وقال: "تفضل وليد". وسرنا جميعا نحو المدخل... يسبقنا نواح أم حسام... الطريق بين بوابة السور الخارجي للمنزل والباب الداخلي له طويل لحد ما.. يتخلل حديقة المنزل الأمامية... قطعنا المسافة صامتين إلا عن ولولة أم حسام التي أحدثت في قلبي صدعا بالغا... عندما وصلنا إلى باب المنزل قلت قاصدا تنبيهها: "انتبهوا... إنها لا تستطيع صعود الدرجات". وتقدمت بقصد مد يد العون إلا أن أم حسام زجرتني بقسوة: "دع الفتاة لي". فابتعدت والعرق يتصبب مني حرجا.. واقتربت ابنتة خالة رغد الكبرى ومع والدتها ساعدت رغد على الصعود... قادني أبو حسام إلى غرفة الضيوف وأحسن ضيافتي.. أما حسام فقد كنت أشعر بألسنة النار تندلع من عينيه وهو يراقبني بتربص... أخيرا شرحت لهما ما حصل وبينت أنه كان حادثا عرصيا.. غير أن ذلك لم يخفف وطء المصيبة على حسام الذي قال معقبا: "ولماذا لم تبلغنا عن الحادث منذ البداية؟ إلا إذا كان هناك ما تريد إخفاءه أو تحريفه". أبو حسام زجر ابنه..والأخير رمقني بنظرة ملؤها الشك والنقمة.. قلت: " أحرف ماذا؟؟" رد وهو يقوم واقفا: "سأعرف هذا من رغد". وغادر الغرفة...
************************
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 3:14 am | |
| الانهيار الذي ألم بي لدى رؤية خالتي لم يكن بسبب رجلي ويدي.. بل بسبب الصورة الأخيرة التي لا تزال مبثوثة أما عيني.. للخطيبين المتعانقين بكل حمية وانسجام.. والتي لم تفلح رؤية خالتي وعائلتها في محوها عن بصري ذلك اليوم.. أجرى معي أقاربي تحقيقا مطولا عن إصابتي وشرحت لهم تفاصيلها وأوضحت لهم أنه لا علاقة لوليد بالحادث وأن اللوم كله يقع على الشقراء.. لم أكن أرى غيرها في عيني.. وأردت أن أحرق صورتها بأي شكل.. وبالغت في التعبير عن غضبي منها ومما حل بي بسببها.. أما خالتي فقد كانت تضع باللوم على نفسها لأنها سمحت لي بالذهاب إلى المدينة الساحلية بعيدا عن عنايتها... وبعد أن استوعب أهلي الأمر وهدأت مشاعر غضبهم الأولية أخذت أسرد لهم بعض أخباري وأخبار الجامعة وحياتي اليومية في المنزل الكبير.. وأخبرتهم كيف كان وليد يعتني بي... ويعاملني بكل لطف ومودة.. وكيف بقي مرابطا إلى جانبي فترة مكوثي في المستشفى.. وأشياء كثيرة كان وليد يقدمها لي بكل سخاء.. لم أشعر بافتقادها إلا الآن.. والحديث عن وليد لم يعجب حسام الذي قال منفعلا: "أنت طيبة يا رغد... ولن تحكمي على ذلك المتوحش إلا بالطيب!" قلت مدافعة: "لماذا تنعته بالمتوحش يا حسام؟؟" قال: "هل نسيت كيف هاجمني ذلك اليوم؟ وكيف لطم شقيقه بقسوة أمام عيني يوم كنا في بيتكم يا رغد؟ وكيف جرك من يدك رغما عنك وأجبرك على السفر معه إلى الجنوب. إنه متوحش وهمجي كسائر المجرمين الــ.." غضبت كثيرا وقلت مندفعة مقاطعة: "لا تنعته بهذا.. لا أقبل منك... كيف تجرؤ؟؟" والجملة ضايقت حسام فانسحب من الغرفة التي كنا نجلس فيها.. حل الصمت على الأجواء.. ثم تكلمت نهلة قائلة: "لا تكوني قاسية عليه يا رغد! إنه غاضب لأجلك". وأضافت سارة: ""يحبك كثيرا". التفت إلى هذه الأخيرة فرأيتها تبتسم ابتسامة شديدة الغباء.. كعادتها.. تجاهلتها وجملتها كما تجاهلتها خالتي ونهلة.. خالتي قالت بعد ذلك: "على كل يا رغد.. ها قد عدت ولن أدعك تغادرين ثانية". ألتفت إلى خالتي نظرة متوجسة فقابلتني بنظرة شديدة الإصرار وقالت: "إلى هنا ويكفي..سنحل هذه المسألة جذريا اليوم قبل الغد". ورأيتها تضبط حجابها وتتجه نحو الباب فقلت بقلق: "إلى أين خالتي؟" قالت بحزم: "سأذهب لأتحدث مع وليد.." وخرجت مباشرة وتبعتها سارة دون ترك فرصة لي لأي ردة فعل... نظرت إلى نهلة في توتر وقلت: "ماذا ستفعل؟؟" أجابت نهلة: "لا أعرف!ربما ستتشاجر مع ابن عمك!" قلت مستهجنة: "لماذا كلكم متحاملون على وليد؟ قلت لكم إنه ليس مذنبا في شي". قالت نهلة: "تدافعين عنه لأنك تحبينه يا رغد..لكنه في الواقع رجل متسلط وقاسٍ ومكابر.. إننا جميعا في هذا المنزل لا نرتاح له..." قلت بعصبية: "إنكم جميعا لا تعرفون شيئا..تصدرون حكما ظالما على شخص لم تعاشروه... أرجوك يا نهلة الحفي بخالتي واطلبي منها الحضور إلى هنا فورا". لم تتحرك نهلة فقلت: "هيا يجب أن أعرف أولا ما الذي تخطط له"ز ولم تتحرك نهلة بالسرعة المطلوبة.. غادرت الغرفة, وعادت بعد دقيقتين.. وما إن رأيتها بادرتها بالسؤال: "هل لحقت بها؟" قالت: "نعم, وهي الآن في غرفة الضيوف". صحت بعصبية: "تبا! ولماذا لم توقفيها؟ لا بد أنها الآن تتشاجر مع وليد". نظرت إلي نهلة نظرة استنكار ثم قالت: "لا تخافي على مشاعر ابن عمك!... إنه ليس هنا". قلت مستغربة: "ليس هنا؟؟" قالت: "غادر منذ زمن.. يبدو أنه قد رحل فور إنهاء فنجان قهوته!"
*************************
إنني تجرعته جرعة كدت أغص بها.. بسبب النظرات التي تقدح شررا من حولي... مصوبا نحوي.. صحيح أن أبا حسام قدم الاعتذار عما قالته زوجته لي.. لكن ذلك لم يخفف عني شيئا.. وبحياتي لم أقف أمام شخص يدعو علي علنا وبهذا الشكل.. وأكثر ما خيبني هو موقف رغد البارد.. نعم كنت أتوقع أن يثور أقاربها علي ولكن ليس بهذا الشكل.. سامحهم الله... وصلت إلى شقة شقيقي سامر أخيرا.. ولم أكن قد اتصلت به.. وأردت أن أفاجئه بحضوري... قرعت الجرس وغطيت بإصبعي عدسة الباب لئلا يراني.. قرعت ثانية وثالثة وما من مجيب! لكنني كنت قد رأيت سيارته في المواقف.. ولا شك أنه في الشقة.. أخيرا سمعت صوتا منخفضا يسأل: "من هناك؟" لم أتبين ماهية الصوت.. فطرقت الباب لعله يعاود الحديث.. فكرر الصوت بنبرة حذرة: "من الطارق؟" نعم إنه صوت شقيقي. قلت: "شخص يريد معانقتك فورا.. افتح الباب". وبدا كأن أخي لم يميز صوتي.. ثم رأيت الباب ينفتح بحذر.. ورأيت رأس أخي يطل منه أخيرا.. اندهشت ملامحه كثيرا وانفغر فاهه.. لكن دهشتي أنا كانت أكبر! "وليد!" قال والعجب يعلوه.. قلت: "بشحمه ولحمه!" لم يفتح سامر الباب وظل محملقا بي لثوان... قلت: "هل أبدو شبحا؟" هنا بدأ سامر يبتسم وفتح الباب ومد ذراعيه لمعانقتي.. "إنني أكاد لا أصدق عيني! فاجأتني يا رجل". ابتسمت وقلت: "بل أنا المندهش يا أخي.." وأشرت بإصبعي إلى عينه اليمنى وقلت: "اختفت الندبة تماما! تبدو وسيما للغاية". سامر ضحك وهو يمسك بيدي ويقودني إلى الداخل.. تذكرون أن جفني عين سامر اليمنى قد أصيبا بحرق بالجمر عندما كان طفلا صغيرا.. وأن عينه تشوهت وأصبحت نصف مغلقه وقبيحة المنظر.. وكان أبي رحمه الله يود إخضاعه لجراحة تجميلية غير أن أوضاعنا المادية في تلك الفترة كانت سيئة.. في لقائنا الأخير كان سامر قد بدأ علاج الندبة والآن عالج حركة الجفن وما لم يقق الناظر إليها جيدا فإنه لن يكتشف وجود أي أثر أو فرق بين عينيه.. الحمد لله.. في داخل الشقة وجدت ضيوفا لأخي.. عرفنا سامر إلى بعضنا البعض, وبعد حديث قصير استأذن الضيوف وغادروا... قلت: "أرجو ألا تكون زيارتي قد أتت في وقت غير ملائم". قال سامر: "ماذا تقول يا أخي! إنهم رفقائي في العمل.. نلتقي في كل وقت.. لا تأبه لهم". ابتسمت فقال سامر: "لكنك فاجأتني! ما سر هذه الزيارة غير المتوقعة؟" قلت مداعبا: "اشتقت لعينك اليمنى فجئت أتفقدها". ضحك سامر ثم قال: "بجد وليد.. لِمَ لم تبلغني لأستقبلك في المطار؟" أجبت: "أردت أن أقتحم عليك الشقة!" وضحكت ثم أضفت: "في الحقيقة كنا قادمين إلى المزرعة.. فأتيت لأزورك". سامر ابتسم ابتسامة خفيفة ثم سأل: "و... ورغد؟" قلت بعفوية: "تركتها في بيت خالتها". شيء من التردد ظهر عليه ثم قال: "لِمَ لم تحضرها معك؟ أعني أننا لم نسمع من بعضنا منذ شهور". آه يا سامر... أتريد القول إنك اشتقت إليها؟؟ إنني أسوأ شخص لتبدي لهفتك عليها أمامه! وربما أحس سامر ببعض الأفكار تدور في رأسي فقال مغيرا الدفة: "كيف سارت أموركم المدينة الساحلية؟ وما أحبار نسبائك؟" أجبت: "الحمد لله.. وهم يبلغونك السلام". "سلمهم الله.. ماذا عن أقارب رغد؟" قلت: "أتيت من منزلهم.. الجميع بخير". قال: "لم أتصل بهم منذ فترة! ما أخبار حسام؟ هل التحق بالمعهد كما كان يخطط؟" أجبت: "لا أعرف فأنا لم أطل البقاء لديهم ولم أسمع آخر أخبارهم". ثم أضفت: "مررت لدقائق مصطحبا رغد". عاد ذلك التوتر الخفي إلى وجه أخي وتجرأ وسأل: "وكيف هي؟ وكيف تعايشت مع خطيبتك في المنزل؟؟" استغربت السؤال كثيرا.. ولماذا تسأل عن تعايشها مع خطيبتي؟؟ وهل تعلم بأن بينهما شيئا؟؟ قلت: "مع خطيبتي؟" رفع سامر كتفيه وحاجبيه وقال: "آه نعم.. فهي كانت.. أعني أنها لم تكن.. منسجمة معها في السابق... آمل أن يكون الوضع قد تغير!!" رباه! هل تعرف أنت يا سامر عن توتر العلاقة بين الفتاتين؟ لا بد أن رغد كانت توافيك بالأخبار..! قلت راغبا في التأكد: "هل.. تتصل بك رغد؟؟" بهت سامر واندهش من سؤال ورد مباشرة: لا لا!... لم أتحدث معها منذ كنتما معي في الشقة". كان ذلك قبل شهور.. عندما مرضت ولازمت فراش شقيقي ليوم وليلة.. هنا في الشقة.. بعد حادث السيارة.. ولكنني لم أعرف أن رغد كانت قد أبلغته آنذاك عن علاقتها المتوترة مع أروى.. حتى أنني لم أكن أعير ذلك التوتر اهتماما حقيقيا آنذاك..
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 3:15 am | |
| قلت: "حسنا.. يبدو أنك تعرف أن العلاقة بينهما مضطربة". ظهر الاهتمام على وجه أخي.. وتابعت: "لا تزال كذلك". سأل أخي بقلق: "إذن كيف كانتا تتعملان مها هناك؟" قلت: "بتنافر متبادل... خصوصا في الآونة الأخيرة". ثم أضفت: "والآن هما متخاصمتان تماما". قال سامر: "توقعت هذا". أثار حيرتي وفضولي.. فسألت: "عفوا؟؟" ارتبك سامر ثم أوضح: "أعني.. أن رغد لا تتكيف بسهولة مع أحد.. من الصعب جدا أن تكسب صداقتها.." لم أعلق فتابع سامر: "إنها حذرة جدا في اختيار من ترغب في منحهم صداقتها.. ولا تتأقلم مع من هم خارج إطار سنها أو اهتماماتها أو مجالها الفكري.." سامر! هل تريد أن تفهمني أنك تعرف رغد خير مني؟؟ بالطبع تعرف.. فأنت بقيت قريبا منها طوال السنين التي حرمت أنا فيها منها.. وكبرت وتطورت شخصيتها أمام عينيك... وأصبحت أقرب الناس إليك ألصقهم بك..! أما أنا فلم أصل للدائرةالتي بارتباطك الشرعي أنت بها..أمكنك تخطيها... تأملت شقيقي.. في أعماق عينيه كانت المرارة تتكلم.. إنه يتحدث عن الفتاة التي كانت خطيبته لما يقرب من أربع سنين... والتي كانت قاب قوسين أو أدنى من الزواج به.. تأملت لأجله.. لكن.. يا سامر.. ألم تجد في هذه الدنيا غير حبيبتي أنا.. كي تعلق قلبك بها؟؟ إن رغد.. منذ أن حلت بعائلتنا قبل 15 عاما وأكثر.. أصبحت لي.. قلت: "على كل.. ستظل في بيت خالتها لعدة أيام.. يمكنك زيارتهم وتفقد أحوالها وقت تشاء". استغرب سامر وقال: "عدة أيام؟؟ غريب! ماذا عن الجامعة. أهي مجازة؟؟" صمت قليلا ثم قلت: "إنها... في إجازة مرضية طويلة.. فهي.. مصابة بكسور في قدمها ويدها".
***************************
مر يوم وأنا أقيم باسترخاء في بيت خالتي.. وفر لي أفراد العائلة سبل الراحة وتفانوا في رعايتي والاهتمام بي.. غير أن ذلك لم يخلصني من التفكير المستمر في وليد... خصوصا وأنه لم يتصل للسؤال عني حتى الآن.. تراقبني نهلة وأنا ممسكة بهاتفي المحمول في تردد... أأتصل أم لا؟ "هل يصعب عليك الاتصال بيدك اليسرى؟ دعيني أساعدك". قالت ذلك نهلة بخبث.. فهي تدرك ما الذي يدور برأسي.. قلت مستسلمة: "الغريب أنه لم يخبرني قبل مغادرته ولم يتصل ليتفقد أحوالي.. في المنزل كان يتفقدني ألف مرة في اليوم والآن نسيني!؟ لا سلام ولا كلام ولا خبر... لا أعرف إن كان قد ذهب إلى سامر أم عاد إلى الشقراء". وتذكرت صورتها الأخيرة فامتقع وجهي... ثم تذكرت حديثها الأخير معي صباح الأمس.. فأبعدت الهاتف عني.. لاحظت نهلة حركتي الأخيرة فقالت: "جيد! لا تتصلي.. واختبري مدى قدرتك على تحمل بعده". قلت: "لا أتحمل.. لا يمكنني تخيل حياتي بدونه! سأموت إذا ابتعد عني". رفعت نهلة حاجبيها ونظرت إلى السقف استنكارا.. قلت مدافعة عن كلامي ومؤكدة له: "إذا تخلى عني فسوف أموت فورا.. صدقيني... لا أستغني عنه يوما ولا ساعة... والدخيلة البغيضة.. اللصة.. تطلب مني الخروج من حياته.. تريد الاستحواذ عليه لوحدها.. تظن أنها أقرب وأحق به مني". هبطت نهلة ببصرها من السقف علي وعلقت: "وهي على صواب يا رغد!" توترت وكدت أصرخ.. حتى أنت يا نهلة؟؟ حتى أنت؟؟ قلت بعصبية: "كلا.." ردت نهلة مباشرة وبشيء من القسوة: "يا رغد... لمَ لا تستفيقين من أحلامك الخرافية؟؟ ما الجدوى من حب رجل متزوج؟ إنك تهدرين عواطفك سدى". أحست نهلة بأنها قست علي.. فأقبلت نحوي وأمسكت بيدي اليسرى وقالت مواسية: "أنا قلقة عليك.. وأفكر بعقلانية.. لقد مضت فترة طويلة.. وأنت لا تزالين تحلمين بالمستحيل.. تعذبين نفسك.. انظري إلى أين وصلت؟" وهي تشير إلى عكازي.. ثم تابعت: "آن الآوان لتستفيقي.. اتركي الرجل وخطيبته يواصلان مشوارهما.. بسلام.. وانتبهي أنت لنفسك.. والتفتي للشخص الذي ينتظر منك الإشارة ليغمرك بكل الحب والحنان اللذين تحتاجينهما". نظرنا أنا ونهلة لبعضنا نظرة طويلة... عميقة... وأنا أشعر بأن الدنيا كلها تتخلى عني وتقف في صف أروى.. فجأة رن هاتفي المحمول فسحبت يدي بسرعة من بين يديها وأخذت الهاتف وأجبت حتى قبل أن ألقي نظرة على اسم المتصل.. سمعت نهلة تقول باستنكار: "أنت حالة ميؤوس منها!" لم أعرها امتماما وتحدثت عبر الهاتف بلهفة: "نعم مرحبا". متوقعة أن يكون وليد.. لكنه لم يكن! لقد كان.. سامر! سألني عن أحوالي.. وعن إصابتي وحمد الله على سلامتي.. ودار بيننا حديث قصير علمت من خلاله أن وليد سيظل معه بضعة أيام.. ثم قال فجأة: "هل يمكنني أن أزوركم الليلة؟" اشتعل وجهي احمرار من الحرج.. تعثرت في كلامي ولكنني أوصلت إليه: "بالطبع.. أهلا بك.. سأخبر خالتي بهذا". وبعد أن أنهينا المكالمة نظرة إلى نهلة فرأيتها تحملق بي بخبث! قلت: "إنه ليس وليد بل سامر". عادت تنظر إلى السقف... قلت: "ويريد أن يحضر لزيارتنا الليلة". نظرت إلي بخبث وقالت: "تعنين لزيارتك". تنهدت وقلت وبريق الأمل يشع في عيني: "وبالطبع سيأتي وليد معه.. سأطلب من خالتي أن تعتذر إليه". وفيما بعد تحدثت مع خالتي ووعدتني بأن تتحدث مع وليد بهدوء وتعتذر عما قالته يوم أمس... وعندما حل المساء.. وعند الثامنة والنصف قرع جرس المنزل.. انتظرت إلى أن جاء حسام ليخبرني: "يرغب ابن عمك في إلقاء التحية عليك". قلت بشوق يكاد يفضحني: "هل حضر وليد؟" نظر حسام إلى نهلة الجالسة بقربي.. ثم إلي وقال: "لم أعن هذا الـــ.." وانتبه لنفسه ولم يتم.. ثم قال: "أعني سامر". قلت بخيبة أمل: "وحده؟" أجاب: "والاي معه الآن.. تعالي لتحييه". نظرت إلى نهلة ففهمتني.. قمت ورافقت حسام إلى غرفة الضيوف.. حيث كان سامر يجالس خالتي وزوجها.. ما أن رآني حتى وقف ونظر إلى العكاز وعلت تعبيرات وجهه علامات المفاجأة والألم.. أما أنا فقد دهشت للتغير الجديد في مظهر عينه... "مرحبا سامر.. كيف حالك". بادرت في تحيته فرد والقلق يغلف نظراته وصوته: "مرحبا رغد.. كيف حالك أنت؟ سلامتك ألف سلامة". قلت: "سلمك الله. الحمد لله إصابتي في تحسن.. تفضل بالجلوس". وجلسنا نتجاذب أطراف الحديث نحن الخمسة ساعة من الزمن ثم استأذن سامر للمغادرة.. قبل انصرافه أعطاني ظرفا قال لي أنه من وليد... وسألني عما إذا كنت بحاجة لشيء فشكرته وودعته على أن نبقى على اتصال... أما الظرف فقد كان كما توقعت يحوي مبلغا من النقود...
******************************** إنها النقود التي كانت في محفظتي ونسيت تسليمها لرغد بعد أن أصابني الإرباك وأنا أراها جالسة على عتبة المنزل في المزرعة... لم أرغب في الذهاب.. لذا تركت شقيقي يخرج لزيارتها وتسليمها النقود بنفسه.. وبقيت وحيدا في شقته.. كما أنني أيضا لم أرغب في الاتصال لا بها ولا بأروى.. وآثرت البقاء بعيدا عن كليهما لبعض الوقت.. باشرت بتنظيم الحاجيات القليلة التي حملتها معي.. وعندما فتحت خزانة الملابس الخاصة بشقيقي فوجئت برؤية فساتين نسائية معلقة آخر الصف... أصابتني الدهشة والحيرة.. وتملكني الفضول لإلقاء نظرة على بقية الخزانة والأدراج. لن تصدقوا أنني وجدت خاتم خطوبة سامر الفضي موضوعا في أحد الأدراج مع مجموعة من علب الهدايا والمجوهرات... وكان أحد الأدرلج مقفلا والله الأعلم.. ما الذي يخبئه شقيقي فيه... أخذت أعبث بالخاتم في يدي وأنا شارد التفكير.. وشاعر بقلق شديد على سامر.. وفكرت في الألم الذي يعانيه وفي الصدمة التي ستصيبه إن أنا تزوجت رغد.. إنها نفس المشاعر التي عانيت مرارتها حين اكتشفت ارتباطه هو بها..تجربة قاسية جدا لا أريد لشقيقي الوحيد أن يخوضها.. وأضافة إلى عشرات المشاغل والهموم التي تثقل صدري وتزدحم في رأسي, أضفت اليوم هما جديدا... اسمه سامر.. ولم أدر يومها.. أنه الهم الذي سيحتل المركز الأول في قائمة المصاعب التي لا يزال القدر يخبئها لي في المستقبل القريب..
***************************** | |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 3:25 am | |
| مرت أيام وأنا في بيت خالتي لا هم لي سوى التفكير الملي بما قالته الشقراء لي آخر مرة... حالتي النفسية لم تكن جيدة وقد لاحظ ذلك أفراد العائلة. "والآن يا رغد.. ما الذي يشغل بالك لهذا الحد؟ إننا جميعا قلقون عليك". كان هذا سؤال خالتي والتي كانت تلحظ شرودي... أجبت: "لا شيء خالتي.." قالت غير مصدقة: "لا شيء؟" أجبت مدعية: "إنني.. قلقة بشأن.. أعني بشأن الجامعة وغيابي عنها". ولا أدري إن بدا كلامي مقنعا أم لا, غير أنه لم يقنع نهلة الجالسة معنا... بطبيعة الحال. قالت خالتي: "الجامعة والجامعة! دعك منها يا رغد.. وانسي أمرها". حدقت في خالتي بتعجب! فقالت: "لست بحاجة إليها ولا أرى داع لها أصلا". قلت مندهشة: "خالتي! كيف تقولين هذا؟" قالت: "لو لا إلحاحك ما كنت وافقت على الذهاب مع ابن عمك للجنوب من أجل الدراسة.. اصرفي نظرا عنها أو التحقي بالمعهد مثل حسام". قلت محتجة: "ولماذا أفعل ذلك؟ أنا مسرورة بدراستي وناجحة بل ومتفوقة فيها". وأضفت: "ثم أن وليد قد دفع تكاليف الدراسة لهذا العام كاملة... وهو مبلغ طائل لن نضيعه هباء". قالت: "وماذا عن السنوات التالية؟" قلت: "سيدفعها أيضا". قالت معترضة: "ولماذا يكبل نفسه كل هذا العناء؟ الجامعات الأهلية مكلفة جدا". قلت: "لكن وليد ثري جدا.. ومصاريف دراستي لا تساوي شيئا أمام كل ما يحصل عليه". قالت خالتي: "لا نريد أن نكلف الرجل فوق هذا.." قلت متعجبة: "ماذا تعنين؟ إنه الوصي علي!" قالت خالتي: "هنا مربط الفرس..." ولم أفهم ما تعنيه.. ثم قلت: "على كل نحن ننتظر حضوره حتى نضع النقاط على الحروف". وحالما انصرفت خالتي سألت نهلة: "ما الذي تعنيه خالتي وماذا تقصد؟؟" نهلة ردت: "هذه المرة.. أمي جادة جدا بشأن إقامتك معنا بشكل دائم يا رغد!" قلت مندهشة: "والجامعة؟؟ ووليد؟؟" قالت: "آن الآوان... للتحرر منهما!" في ذلك اليوم لم أطق صبرا... واتصلت بوليد... أخيرا... وكأنني أكلمه للمرة الأولى في حياتي... لا أعرف لماذا ارتبكت وتسارعت نبضات قلبي.. وفور سماعي لصوته.. انصهرت كما تنصهر الشمعة... دمعة دمعة! "كيف أنت؟ ولماذا لا تتصل بي؟" تجرأت وسألته بعتاب.. إذ إنه لم يهاتفني ولا مرة مذ أحضرني إلى هنا.. وكأنني عبء ما كاد أنه تخلص منه! وليد قال: "لم أشأ إزعاجك.. وأعلم أن أقاربك يعتنون بك جيدا". حتى وإن! أنت أبي بالوصاية.. أليس من واجبك السؤال عني كل يوم؟ قلت: "ومتى ستحضر؟" قال: "هل هناك شيء؟؟" قلت: "لا لا... لا تقلق.. إنما قصدت.. متى سيتعين علينا العودة؟" لم يجبني مباشرة ثم قال: "لا يزال أمامنا بعض الوقت.. موعدك في المستشفى لم يحن". هكذا إذن! لن تأتي لرؤيتي إلا يوم السفر أم ماذا؟؟ قلت: "إن خالتي ترغب في الحديث معك". قال: "حسنا..." قلت: "لا أعني على الهاتف.. تود أن تأتي للعشاء عندنا.. والتحدث". قال: "لا بأس.. لنقل بعد يومين؟ فأنا في الطريق إلى المزرعة الآن". فوجئت.. وخذلتني جملته الأخيرة.. ذاهب إلى المزرعة ولم تفكر بالمرور بي؟؟ قلت: "هكذا إذن؟ حسنا لن أشغلك وأنت تقود السيارة.. رافقتك السلامة".
****************************
كنت أنتظر إشارة من أروى لأعود للمزرعة ونعود لمناقشة الخلافات الأخيرة الحاصلة بيننا.. والأيام التي قضيتها مع شقيقي بعيدا عن أي مشاكل كانت كافية لإرخاء الشد الحاصل في أعصابي. فكرتك كانت نافعة يا أروى.. أعترف بهذا. اتصلت بي البارحة وأخبرتني أنها ترغب في مقابلتي.. منذ ارتباطنا وأروى أمامي يوميا لم يفصلها عني غير الشهر الأسود الذي تلا مقتل واليّ رحمهما الله والذي قضيته مع سامر ورغد بعيدا عنها.. أما رغد فمنذ أن التحقت برعايتي لم أفترق عنا غير الأيام التي سبقت رحيلنا الأخير إلى الجنوب. والحديث القصير معها عبر الهاتف جعلني أشتعل شوقا لرؤيتها والاطمئنان على وضعها وصحتها.. ولو لم ابتعدت كثيرا.. لربما سلك بي شوقي الطريق إليها.. الاستقبال الذي استقبلتني به أروى كان باردا.. على عكس الطريقة التي ودعتني بها.. واخترنا الغرفة الخارجية الملاصقة للمنزل, والتي كنت أقيم فيها فيما مضى.. مكانا لحديثنا المطول.. أروى ظهرت أكثر هدوءا وتماسكا مما كانت عليه خلال الآونة الأخيرة.. ولم تتعمد الإطالة في المقدمات بل قالت مباشرة: "كما قلنا.. يجب أن نضع نهاية لكل المشاكل والخلافات الحاصلة بيننا نحن الثلاثة". تعنيني أنا وهي ورغد.. قلت: "وهل وجدت حلا مناسبا؟" بدا الجد يعلو قسمات وجهها وأخذت نفسا عميقا ثم قالت: "نعم.. وهو.. بيدك أنت يا وليد". شعرت بالفضول والحيرة.. لم أفهم ما الذي عنته فسألتها: "بيدي أنا؟ ما هو؟" قالت: "يجب أن تكون مستعدا له". ازدادت حيرتي وقلت: "بالطبع فأنا أريد بالفعل أن نتجنب التصادم مستقبلا وإلى الأبد... إذا كان الحل بيدي فأنا لن أتردد.. لكن ماذا تقصدين؟" هنا توقفت أروى عن الكلام وكأنها تستجنع قواها لتنطق بالجملة التالية.. تلك الجملة التي من قوتها.. كاد سقف الغرفة أن ينهار على رأسي.. "وليد.. عليك أن تختار.. مع أينا تريد العيش... إما أنا.. أو رغد". وقوع سقف بهذا الحجم على رأس موقوت مسبقا.. لا يسبب التكسر والتهشم فقط.. بل ويفجره إلى شظايا تنطلق مخترقة الفضاء إلى ما لانهاية.. تسمرت على وضعي مذهولا.. أشد ذهولا من الذهول ذاته.. أحاول أن أترجم اللغة العجيبة التي التقطتها أذناي منطلقة من لسان أروى.. لم أتحدث فأنا لم أعد أملك رأسا يدير حركة لساني.. أرووى بعد الجمود الذي رأته علي قالت: "وليد.. صدقني.. الحياة بوجودنا معا نحن الثلاثة مستحيلة.. لقد فكرت مليا طوال الأيام الماضية.. مرارا وتكرارا.. ولم أجد لمشكلتنا مخرجا غير هذا.. لن نستمر واقفين على فوهة البركان.. أنا ورغد لا يمكن أن نجتمع تحت سقف واحد بعد الآن.. أبدا يا وليد". أي سقف؟ وهل أبقيت في المنزل أية أسقف؟ لقد أوقعتها كلها على رأسي يا أروى... فعن أي سقف تتحدثين؟؟ أخيرا استطعت النطق: "ما الذي تهذين به؟" توترت أروى.. وقالت: "هذا هو الواقع... أنا وابنة عمك يستحيل عيشنا سوية في سلام.. لا تتحمل إحدانا وجود الثانية أبدا.. إما أن تعيش معي.. أو تعيش معها.. يجب أن تختار". صرخت: "أروى... هل جننت؟" صاحت أروى: "بل هذا هو عين الصواب.. إنني سأجن فعلا إن بقيت مع ابنة عمك في بيت واحد". انفعلت وثرت فجأة.. وهببت واقفا أضرب كفي الأيسر بقبضتي اليمنى... وقفت أروى وقالت: "أرجوك أن تحافظ على هدوئك لنتابع النقاش". صرخت بعصبية: "أحافظ على هدوئي؟ كيف تريدين مني البقاء هادئا بعد هذا الجنون الذي تفوهت به؟ إنني لم أتوقع أن تكوني أنت كارهة لرغد لهذا الحد أبدا". قالت منفعلة: "وأما لم أقل إنني أكرهها". قاطعتها: "وبم تترجمين موقفك هذا؟" أجابت: "إنه حل وليس موقف.. واحدة منا فقط ستعود وتبقى معك.. وعلى الأخرى أن تظل هنا... هذا من أجل راحتنا جميعا". قلت غاضبا: "من أجل راحة من؟؟ تريدين مني أن أتخلى عن رعاية ابنة عمي وتقولين راحتنا جميعا؟؟" هتفت أروى: "أنا لم أقل تخل عنها". قلت ثائرا: "وما تفسيرك إذن لتركي لها هنا؟" قالت: "ولم أقل اتركها هي... قلت إنك من يجب عليه أن يختار.. إما أنا أو هي". وقفت مأخوذا بأعماق أكبر وأغزر.. لكلام أروى.. قلت: "أروى... بربك... ماذا تعنين؟؟" رمقتني بنظرات ملؤها المعاني... سألت: "تعنين.. أن أعود معها هي.. وأتركك هنا؟" رفعت أروى رأسها بشموخ وقالت: "إن قررت اختيارها هي". اندهشت وقلت: "لا بد أن شيئا ما قد ألم بعقلك يا أروى". لم تعلق فتابعت: "إلا إذا كنت... تعنين لفترة محددة.. ريثما تهدأ الأوضاع". قالت بثقة: "لا... بل أعني للأبد.." صعقت وسألت غير مصدق: "وأنت؟" قالت وعضلات وجهها قد خذلتها وبدأت بالنهيار: "لن أعيش معك ما دامت رغد تحت ولايتك.." من ذهولي لم أعرف كيف أرد.. رفعت يدي وأمسكت بعضديها ونظرت إلى عينيها بجدية ثم قلت: " هل تعنين ما تتفوهين به يا أروى؟؟" أجابت وأول دمعة تنزلق بين رموشها: "أعيه وأعنيه تماما يا وليد.. لن لأستمر معك.. ما بقيت ابنة عمك تحت رعايتك.. إن أردت لحياتنا أن تستمر معا.. تنازل عن وصايتها.. وأبعدها عنا". أطرقت برأسي رفضا لتصديق ما أسمع.. وضغطت على عضدي أروى وقلت: "كلا.. أنت لا تعنين ما تقولين يا أروى.. لا شك أنني أحلم". أروى عصرت عينيها وتدفقت الدموع بغزارة منهمرة منهما.
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 3:44 am | |
| هززتها وقلت: "كلميني يا أروى.. أخبريني بأنك تهذين.." أروى فجأة رمت برأسها على صدري وانفجرت باكية وهي تزفر: "لا أتحمل هذا... ارحمني وليد.. لا يمكن لقلبي أن يتحمل العيش مع فتاة أعرف أنك تحبها.. ما الذي تخطط له بشأنها؟؟ كم أنت قاس علي..." وانهارت أروى في بكاء طويل حارق.. لم أحرك ساكنا.. وانتظرت حتى أفرغت دموعها في ملابسي.. وبكاءها بين ضلوعي.. بعدها أبعدت رأسها عن صدري ونظرت إلي.. "ماذا قررت؟" سألتني ونظرتها متعلقة بعيني... فلم أرد.. فنادتني: "وليد... أنا.. أم هي؟" عضضت على أسناني توترا ثم قلت: "سأعتبر نفسي لم أسمع شيئا اليوم". قالت بحنق: "وليد.. لا تهرب من سؤالي". رددت بحدة: "إنه ليس سؤالا يا أروى... إنه الجنون.. يبدو أنك لم تسترخي بما فيه الكفاية بعد.. سأتركك لتراجعي حساباتك الحمقاء هذه ثانية". وتركتها وغادرت الغرفة.. في المزرعة وجدت العم إلياس والخالة ليندا يعملان مع بقية العمال في حرث بقعة من الأرض.. قلت مخاطبا الخالة: "خالتي.. دعي عنك هذا أرجوك". فقالت بسرور: "إنني أستمتع بحرث الأرض يا بني.. ثم إنه تمرين جيد لتنشيط القلب". قلت: "بل هو شاق على مرضى القلب.. أرجوك توقفي". واقتربت منها وانتزعت الأداة من بين يديها وطلبت منها الذهاب للراحة.. كانت أشعة الشمس لا تزال ساطعة بقوة والجو اليوم أكثر حرارة مما كان عليه الأسبوع الماضي.. شمرت عن ساعدي وأمسكت بالمعول وجعلت أضرب الأرض بقوة.. وكلما تذكرت كلام أروى ضربتها بقوة أكبر وأكبر.. وكأنها السؤولة عن دوامة المشاكل التي أعيشها.. كأن بيني وبينها ثأر كبير... عملت بهمة لا تتناسب والحالة المزاجية المتعكرة التي تسيطر علي.. ومرت الساعات واختفى قرص الشمس خلف ستار الأفق.. الذي خبأ بحرص شديد.. ما ستشرق به شمس الصباح التالة.. كان الإعياء قد نال من عضلاتي والعرق قد أغرق جسدي حينما ألقيت بالمعول جانبا واستلقيت على الرمال ألتقط أنفاسي.. تنفست بعمق شديد وأنا شارد التفكير.. أنظر إلى السماء وقد بدأ الظلام يلونها بلون الحداد الكئيب... أمام عيني كنت أرى كلمات أروى تتراقص مع أوراق الشجر.. ذات اليمين وذات الشمال.. وتسبب لي دوارا.. أغمضت عيني لأحول دون رؤية أي شبء.. فأنا هذه اللحظة لا أريد لأي مؤثر خارجي أن يغزو تفكيري.. شعرت بشيء يسري على ذراعي.. حركت يدي فأحسست بحبات الرمل تعلق بي..جذبت نفسا فخيل إلي أنني أشم رائحة دخان السجائر.. وسمعت أصوات أشخاص كثر ينمنمون.. فتحت عيني بسرعة.. وهببت جالسا..لمحت حشرة تسير على ذراعي فأبعدتها ونفضت التراب عن يدي.. وتلفت يمنة ويسرة أبحث عن مصدر الرائحة والصوت.. لقد كنت واهما.. إنني في المزرعة الآن.. ولست في السجن.. لا اعرف لماذا عادت بي الذكريات إلى الزنزانة.. وتوهمت أنني أنام على الفراش الخشبي القذر.. تعلق بي حبات الرمل والغبار.. وتسير الحشرات على جسدي.. وتحشو رائحة السجائر والعرق تجويف أنفي.. كلا كلا!... وقفت منتفضا وأنا أطرد الذكرى البشعة من مخيلتي... مددت أطرافي الأربعة إلى أقصاها.. وتنفست نفسا عميقا وزفرت باسترخاء... ثم أجريت تمارين إرخاء سريعة.. دخلت بعدها إلى المنزل.. تحاشيت الالتقاء بأروى وتعمدت عدم الظهور في أماكن تواجدها.. وأبقيت موضوعنا معلقا لحين إشعار آخر..
********************************
الحلقة الخامسة والأربعون
الجفـــاء القــاتـــل
طرت من الفرح.. عندما أخبلاني وليد بأنه قادم لزيارتنا هذه الليلة... فأنا لم أره منذ أسبوع.. وأشعر بحنين شديد إليه. وشعرت بالحسرة لأنني لم أستطع المشاركة في إعداد طعام العشاء مع خالتي وابنتيها... قلت مخاطبة نهلة: "يحب عصير البرتقال الطازج.. أرجوك حضري كمية كبيرة منه". فتحت نهلة درج الثلاجة المليء بثمار البرتقال وأشارت إليها وقالت ساخرة: "كل هذا؟" سارة انفجرت ضاحكة فوبختها خالتي.. أما أنا فرمقت نهلة بنظرة غضب فابتسمت وقالت: "حاضر سيدتي.. وماذا أحضر بعد؟" وكنت قد أخبرت خالتي عن الأطباق التي يفضلها وليد وطلبت منها أن تحضرها بسخاء! سمعت خالتي تسأل: "ماذا عن سامر؟ هل تأكدت من أنه لن يحضر؟" أجبت: "نعم. هكذا أجاب وليد عندما سألته.. لكن اعملي حسابه.. ربما يتغير رأيه ويأتي". قالت سارة مفاجأة: "أصبح وجه سامر وسيما الآن. هل ستتزوجين منه ثانية يا رغد؟" هذه المرة خالتي زجرت ابنتها بعنف بل وطردتها من المطبخ... سارة غبية لدرجة ملحوظة.. وتفكيرها سخيف جدا... الصمت حل على المطبخ بعد مغادرتها وأرادت نهلة أن تلطف الأجواء فسألتني: "وخطيبته وأمها؟؟ أمتأكدة من أنهما لن تحضرا؟" كانت تعرف هي الأجابة ولكنني جاريتها: "لن تحضر.. سيأتي وليد فقط". قالت ماهو الخطأ الذي قلته؟" أوه.. إنها حتى لا تدرك خطأها! إنها طفلة بريئة ولا تستحق العقاب.. قلت: "عندما قلت عن سامر إنه أصبح وسيما وسألتني إن كنت سأتزوج منه". قالت ببلادة: "نا الخطأ في ذلك؟ لقد أصبح وسيما بالفعل عندما عالج عينه البشعة". قلت مجارية: "نعم أعرف". وانتظرت هي مني أيضاح الخطأ.. فقلت: "لكن لا يليق أن تسأليني إن كنت سأتزوجه أم لا.. أولا لأنك صغيرة السن ولا يستساغ منك كلام كبير كهذا.. وثانيا لأنني وسامر قد انفصلنا عن بعضنا البعض نهائيا ولن نتزوج ثانية.." ونظرت إلى عينها أستشف منهما الفهم, لكن.. لا يبدو أنها استوعبت تماما ما عنيت! قالت: "إذن ستتزوجين بحسام؟" أوه... ألهمني الصبر يا رب! أجبت: "كلا". قالت: "إذن بمن؟" قلت مظهرة الغضب لأفهمها أن عليها التوقف عن هذا: "لا أعرف يا سارة ولا تكرري الحديث عن أمور كهذه ثانية.. مفهوم..؟؟" واستدرت راغبة في الانصراف عنها.. فسمعتها تقول: "أنا أعرف بمن". استدرت إلى سارة مجددا فوجدتها تبتسم ولكن هذه المرة بمكر! قلت مجارية لها: "بمن في اعتقادك؟" قالت: "بابن عمك الطويل.. فأنا سمعتك تخبرين أختي بهذا".
*****************
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 3:46 am | |
| بعد العشاء.. جلست مع أبي حسام والخالة وحسام ورغد نتجاذب أطراف الحديث.. أحاديثنا منذ البداية كانت عادية وغير هادفة.. باستثناء اعتذار أم حسام الذي أزاح عني حملا... لم أهنأ بزواله... أما الصغيرة كانت صامتة إلا عن نظرات تلقيها علي من حين لآخر! ولكن هل يبدو في مظهري شيء غريب؟؟ سألت أم حسام: "كم ستمكث في البلدة؟" أجبت: "أسبوع كحد أقصى.. بعض شئون العمل متوقفة على حضوري.." قالت: "وماذا عن رغد؟" بسرعة التفت إلى الصغيرة واشتبكت نظراتنا.. ثم عدت إلى أم حسام: "ستأتي معي قطعا". وهل هناك شك في الأمر؟؟ أم حسام قالت: "أليست إجازتها المرضية ممتدة لعدة أسابيع.. لن تكون هناك دراسة ولا جامعة وبالتالي لا داعي لسفرها". عدت ونظرت إلى رغد.. متوقعا أن تكون هذه فكرتها.. ثم قالت: "نعم ولكن..لديها موعد الطبيب في الأسبوع المقبل.. كما وأنها يجب أن تبقى قريبة من المستشفى لمتابعة العلاج.. هذا إلى أنه... بإمكانها الدراسة في المنزل والاستعانة بصديقاتها خلال فترة الاجازة". أليس كلامي منطقيا؟؟ أم حسام قالت وقد طغت الجدية على نبرة صوتها: "في الحقيقة يا وليد.. وباختصار وبلا مقدمات.. أريد أن تبقى ابنة أختي تحت رعايتي من الآن فصاعدا". أصبت بالدهشة.. وقلت مستغربا: "ما الذي تقصدينه؟؟" أجابت بكل ثقة: "أقصد أن تبقى هنا في بيتي وتحت ناظري وبين أبنائي.. وهو المكان الطبيعي لها أساسا". درت بعيني بعشوائية ثم ألقيت نظرة على رغد أستشف منها موقفها.. لكني لم أفهم المعاني المرتسمة على وجهها.. قلت: "خالتي.. ألم يسبق وأن أغلقنا هذا الموضوع بعد أن أشبعناه حوارا وختمنا القرارات؟ بقاء رغد تحت وصايتي أمر مفروغ منه البتة ولا مجال للحديث فيه أصلا". تدخل حسام وقال: "هذا ما تفرضه أنت". لم أعره اهتماما وركزت أسماعي على الخالة التي تابعت: "لم ننهه لكنك أصررت على موقفك واستغللت شغف الفتاة بالراسة كيف تكسبها إلى جانبك". استغلال؟؟ عندما أفكر في مسقبل رغد.. وأخطط له.. تسمونه استغلال؟؟ حسام قال: "إنهم يعيدون ترميم المبنى المدمر من الجامعة هنا وستفتح العام المقبل وتستطيع رغد العودة إليها مجددا". قلت: "ولماذا عليها أن تفل ذلك؟ الجامعة الأهلية في الجنوب أفضل مستوى وقد قطعت شوطا مهما وبنجاح فلم تفكر أصلا في تغيير الجامعة؟" كنت سأوجه سؤالا إلى رغد غير أن أم حسام سبقتني بالحديث: "لتبقى معي.. وإن كانت حجتك الدراسة فها هو الحل أمامك". استفزتني الجملة وقلت: "ليست مسألة الجامعة فقط... رغد تحت وصايتي أنا وأريد أن آخذها معي". قالت أم حسام وبصوت حاد: "في هذه المرة أعدتها إلينا بالجبائر... في المرة القادمة كيف ستعيدها إلينا؟؟" أبو حسام تدخل ليخفف الشد الحاصل فقال: "نحن نعرف أنك تعتني بها جيدا ولكن إنه قلب الأم.. لا تتصور كم كانت خالتها مشغولة البال والقلب عليها". قال حسام: "جميعنا كنا قلقون عليها وهي بعيدة كل ذلك البعد. يجب أن تقدر مشاعرنا". كأنك تماديت يا حسام؟ مشاعر ماذا تقصد؟ يجب أن تتوقف عند هذا قبل أن تشعل غضبي.. قلت معارضا وبكل إصرار: "الأمر مفروغ منه ولسنا هنا لنناقشه من جديد.. وأرجوكم لا داعي لهدر المزيد من الوقت في جدال عقيم لقضية محسومة مسبقا". قال حسام فجأة: "أنت متسلط جدا". صمت الجميع من المفاجأة.. وأنا نظرت إليه بتعجب.. حسبت أنها زلة لسان سيعتذر عليها لكنه أضاف وللعجب: "نحن أفرب إلى رغد منك وأحق بكفالتها.." أبو حسام ردع حسام بنظرة غاضبة.. والأخير سكت ثوان ثم وجه خطابه إلى رغد: "ما رأيك أنت يا رغد؟ ألست تفضلين البقاء مع والدتي؟؟" نظرنا جميعا نحو رغد التي أجابت بإخضاع نظرها نحو الأرض.. كأنها تؤيد هذا.. ماذا يا رغد؟ أتريدين إحراجي أكثر مع أقاربك؟ ألم ننته كليا من موضوع إقامتك معي؟ هل غيت رأيك الآن؟ خاطبتها سائلا وشاعرا بالخذلان منها: "ماذا يا رغد؟" فنظرت إلي وأجابت مضطربة: "كما ترى أنت.. وليد". الجميع نقلو بصرها عنها وصبوا أنظارا حارة علي.. ويحكم! هل تعتقدون أنني أهدد الفتاة أو أجبرها على شيء؟ قلت طالبا منها التأكيد: "ألست ترغبين في متابعة الدراسة في الجامعة الأهلية؟" قالت مؤكدة: "بلى". اطمأن قلبي لردها لكن أم حسام قالت معترضة: "كلا... ستبقين معي.. أريد أن أرعاك بنفسي من الآن فصاعدا.. ولن يطمءن قلبي لسفرك على الإطلاق". وإذا بحسام يخاطبني قائلا فجأة: "لماذا لا تتنازل عن الوصاية؟" نظرت إليه نظرة مندهشا ثم رمقته بحدة وقلت: "أتنازل عنها لمن مثلا؟ لك أنت!؟" حسام غضب من تعقيبي الساخر ورد منفعلا: "تعرف أنني دون السن القانوني ولا يمكنني أن أكفل أحدا.. أنا أعني لوالدي فهو بمقام والدها وهو ابن عم والدتها وأمي خالتها ونحن أقرب إليها منك". عند هذا لم أتحمل.. اشتعلت نفسي غضبا وتصبب العرق من جبيني ورفعت يدي أمسحه فلمست جبينا ساخنا يكاد يتقد نارا.. نظرت نحو رغد وأظن نظرتي كانت قوية للدرجة التي اهتز فيها جسدها وتراجع للوراء.. زفرت زفرة قوية أخيرا كانت ساخنة ما يكفي لحرق أثاث الغرفة.. قلت أخيرا: "يمكنكم مناقشة أمر الوصاية هذا بعد موتي, ولكن طالما أنا حي فابنة عمي ستبقى تحت مسئوليتي أنا ما امتدت بي الحياة". ووقفت وتابعت: "علي الذهاب الآن.. شكرا على حسن الضيافة". والتفت إلى رغد وقلت: "رغد.. هلا رافقتني إلى البوابة؟" سرنا جنبا إلى جنب بخطى بطيئة إلى أن ابتعدنا عن مدخل المنزل وانتصف بنا الطريق إلى البوابة الخارجية لسور المنزل... حينها أذنت للساني بالنطق: "رغد". وتوقف صوت خطوات العكاز.. التفت إلى رغد فرأيتها وقد توقفت عن المشي وكأنها في انتظار شيء مهم... قلت: "هل كانت هذه فكرتك؟" رغد قالت بسرعة: "لا.. لا.. إنها خالتي, هي التي تريد مني البقاء... على الأقل فترة نقاهتي". قلت: "والوصاية؟" أجابت: "حسام يتحدث بسخافة أحيانا". كنت أنظر إليها بتشكك.. فهي لطالما طلبت مني تركها مع أقاربها, وخشيت أن تكون هي وراء كل هذا... لما قرأت الشك في عيني قالت مدافعة: "صدقني لست أنا". قلت: "اسمعي يا رغد.. عليك أن تفهمي أقاربك أن موضوع الوصاية هذا مفروغ منه تماما ولا أقبل منهم أن يفتحوه أمامي مجددا أبدا.. يجب أن تخبريهم أن يتوقفوا عن محاولاتهم المزعجة وإلا فأنني سوف لن آتي بك لزيارتهم مجددا". بدا التوتر على وجه رغد فقلت: "أنا أعني ما أقول.." ثم استدرت لأتابع طريقي إلى البوابة.. بعد ثوان لحقت رغد بي وسمعتها تناديني وتقول: "وليد... لا تغضب...!" التفت إليها فوجدت عينيها متعلقتين بي... كررت: "أرجوك.. لا تغضب منهم". وأضافت: "أنا اعتذر لك عن أي كلمة مزعجة وجهت إليك هذه الليلة... سامحهم أرجوك". أراحني الشعور بأن رغد... تكن لي التقدير وتكترث لمشاعري... وتود تطييب خاطري بعد الكلام الذي تلقيته من أهلها... قلت: "هذه المرة سأبتلع كل شيء.. لكن عليك أن تفهميهم جيدا بأنني فيما لو تكرر هذا مرة أخرى, سأتخذ موقفا مختلفا". أطرقت رغد برأسها إذعانا. أخيرا قلت: "والآن.. هل تأمرين بشء قبل ذهابي؟" رأيت وجه رغد يبتسم فيما قسمات القلق مرسومة على جبينها وهي تقول: "انتبه لنفسك". أنتبه لنفسي؟! إنها أول مرة تقولها لي وبهذه الطريقة ومعالم القلق والاهتمام ناطقة على وجهها! شعرت بدغدغة لطيفة تسري في جسدي لم تكن لتتناسب مع الغضب الذي أضمره!.. ابتسمت لها وفارقتها بارتياح.. ذهبت إلى شقة سامر والذي كان قد أعطاني مفتاحا احتياطيا لشقته بطلب مني.. حتى يتسنى لي الدخول والخروج بحرية, خصوصا وأنه كان يقضي ساعات طويلة في العمل.. دخلت الشقة واتجهت إلى غرفة النوم.. وهناك... رأيت شقيقي يجلس على السرير وفي يده علبة ما..ووجهه متجهم.. ويظهر عليه الشرود... حتى أنه لم ينتبه لدخولي.. "سامر" بمجرد أن ناديته ارتبك وأغلق العلبة بسرعة وهب واقفا وهو يقول: "وليد.. أأأأهلا". وسار نحو الخزانة وأدخل العلبة في أحد الأدراج, الدرج الذي وجدته مقفلا ذلك اليوم, وأقفل الدرج بالمفتاح وهو يقول: "لم أنتبه لقدومك". دققت النظر في وجهه فوجدت آثار الدموع تبلل رموشه.. شعرت بانقباض في قلبي وسألت بقلق: "أهناك شيء؟؟" سامر تظاهر بالعفوية وابتسم وقال: "لا. لا شيء". لكنني لم أشتت نظري عنه فقال: "تذكرت والدينا". وظهر الخشوع والحزن على وجهه.. لم أصدق ما ادّعاه ولكنني لم أشأ إحراج الموقف فقلت: "رحمهما الله". وتصرفت بشكل طبيعي رغم القلق الذي يعتصر أحشائي.. لا أعرف ما الشيء الذي كان سامر يخفيه في الدرج ويحذر أن أراه.. لكني أتوقع وتقريبا شبه متأكد من أنه ذو علاقة برغد... والفضول تملكني بشدة... وانتهزت الفترة التي ذهب أخي فيها للاستحمام بعد ذلك وتسللت يدي نحو الدرج.. كان المفتاح في ثقب الدرج... فتحته بحذر واستخرجت العلبة الكبيرة الثقيلة التي كانت تحتل معظم الدرج... وضعت العلبة على السرير وهممت بفتحها, غير أن ضميري تغلب على فضولي في آخر لحظة... وإذا بي أعيد العلبة إلى الدرج وأقفله بالمفتاح وأغلق باب الخزانة كما كان... لحظتها أثنيت على نفسي أمانتي.. وشكرت ضميري على تأنيبه... وبت راضيا عن نفسي ومسرورا بها... لكنني فيما بعد.. ندمت أشد الندم.. على أنني لم أكتشف وقتها السر الذي كان شقيقي يخبئه.. رغم أنه كان طائعا بين يدي...
************************
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 4:01 am | |
| ************************ بالأمس أبلغني وليد عن موعد سفرنا وهو مساء اليوم, واتصل بي قبل ساعة ليتأكد من استعدادي. وقد أبلغني أنه في طريقه للمزرعة وسوف يكون هنا عصرا. وفيما أنا مع ابنتي خالتي نجمع حاجياتي في حقيبتي رن هاتفي مرة أخرى... نهلة ونظرت بمكر وقالت: "الوصي الطويل!" وسارة ضحكت -كعادتها- بصوت مرتفع... كان هاتفي موضوعا على المنضدة بجوار المرآة. وكنت أجلس على السرير أطوي ملابسي.. قلت مخاطبة نهلة: "ناوليني الهاتف". فأسرعت سارة والتقطته من على المنضدة وأقبلت نحوي.. نهلة قالت لإغاضتي: "دعيها تسير إليه بنفسها يا سارة!" سارة غيرت اتجاه سيرها وعادت أدراجها إلى المنضدة.. قلت بحنق: "هذا ليس وقته... هاتي الهاتف سارة". فقالت نهلة وهي تضحك بخبث: "تعالي وخذيه بنفسك". هتفت: "تبا لكما". ورميتهما ببعض ملابسي وأمسكت بعكازي وهببت لأقف, حينها أخذت نهلة الهاتف ورمته نحوي على السرير وأطلقت أختها القهقهات وهما تغادران الغرفة... مددت يدي بسرعة والتقطت الهاتف.. كان رقم هاتف المزرعة, ذلك الذي ظهر على شاشة هاتفي... "مرحبا". "مرحبا يا رغد.. كيف حالك؟" أتدرون من المتصل؟ إنها الشقراء! ماذا تريدين مني؟؟ وكيف تملكين الجرأة على الاتصال بي وكأننا من الأصحاب؟؟ قلت بجفاء: "نعم؟ ماذا تريدين؟" قالت: "حسنا.. خشيت ألا تجيبي على اتصالي.." قلت: "ظننته وليد... لكن ماذا هناك؟" قالت: "إنه لم يصل بعد... هل أخبرك بأنه.. حجز للسفر مساءً؟" قلت: "نعم". الشقراء صمتت قليلا ثم سألت: "رغد..هل فكرت في الموضوع الذي حدثتك عنه؟" تعني الكلام الذي سممت قلبي بسماعه ذلك الصباح في المزرعة.. والذي بذلت قصاري جهدي للتهرب منه.. أجبت: "لا أريد أن أفكر به". قالت: "لماذا؟" قلت بغضب: "لا يعجبني.. ولو سمحت لا تعيدي فتح الموضوع ثانية". قالت: "يارغد لا بد من فتحه وأخذه بعين الاعتبار.. إنه ليس مجرد موضوع عابر بل فيه مستقبلنا وحياتنا ومصيرنا نحن الثلاثة". قلت وقد اشتد غيظي: " لا شأن لك بمستقبلي ومصيري أنا". قالت: "وماذا عن مستقبل وليد؟ وحياته؟ ومصير الدوامة من الشجار التي نحيطها به؟ ألا تفكرين فيه؟" قلت باندفاع: "وليد لن يتخلى عني تحت أية ظروف.. إنه بمقام أبي.. لن أبتعد عنه وإذا شءت أنت فابتعدي وأريحينا". صمتتالشقراء لبرهة ثم قالت: "إذن هذا هو قرارك؟؟" قلت بتحد: "نعم. هذا هو قراري". قالت وقد تجلى الألم والحزن في نبرة صوتها: "لم أتوقع أن تكوني أنانية لهذا الحد". ثم أضافت وقد اشتدت نبرتها: "لكن... وليد سيأتي الآن.. وسأخبره بما دار بيننا.. وعن قرارك.. وسأضعه أمام الأمر الواقع وأطلب منه أن يعين من منا سيختار ليصطحبها في السفر". وتوقفت برهة ثم أضافة: "وفي بقية العمر". وأقفلت السماعة فورا.. تسمرت على وضعي حقبة من الزمن... تدحرج فيها رأسي على محيط الغرفة.. ثم تهالك على السرير دائخا تصارعه كلمات أروى وتستل عقله اتلالا.. رفعت هاتفي أمام عيني.. أوشكت على الاتصال بوليد.. لكن أصابعي ارتجفت وحالت دون مقدرتي على الضغط على الأزرار.. حاولت أن أركز على شيء لكنني فشلت... أغمضت عيني ووضعت يدي اليسرى عليهما لأخفف من مقدار النور الذي بدا قويا يخترق جفوني مقبلا من مصباح السقف... "رغد!" سمعت صوتا يناديني.. أبعدت عيني ونظرت باتجاه مصدر الصوت الذي ولشدة تيهي لم أميزه.. ولولا أنها اقتربت مني كثيرا ربما لم أكن لأميزها.. كانت نهلة.. "ما بك!؟" سألتني بقلق وهي تراني ملقية بثقل رأسي على السرير في ذلك الوضع.. جلست ومددت يدي نحوها فأقبلت إلي وشملتني في حضنها وهي تقول: "ماذا جرى لك بحق السماء؟؟ ماذا قال لك ذلك المتعجرف اللئيم؟" هززت رأسي في حضنها وأنا أطلق شهقاتي: "ليس هو يا نهلة.. إنها هي.. هي". سألت بتوتر وقد فهمت قصدي: "ماذا أرادت منك؟" انهرت وأنا أقول: "تريد أن تحرمني من وليد.. ستأخذه مني يا نهلة... ستأخذه مني". أبعدت رأسي عن حضنها وقلت بانهيار: "سأموت إن تخلى عني.. لا أستطيع العيش بدونه.. إنه وليد قلبي أنا.. يخصني أنا.. إنه لي أنا... أنا.. أنا..."
**************************** كنت قد حدثت سامر عن أمر عودتي إلى الجنوب مع رغد.. وألححت عليه كي يرافقنا.. وأعدت عرض فرصة العمل الكبيرة في مصنع أروى.. سامر كان في السابق يرفض الفكرة أما الآن فقد قبل العرض.. وطلب مهلة كي يرتب أموره.. اتفقنا على أن أمهله بضعة أيام أخرى لينجز مهامه ويستعد للسفر... وضع سامر ووحدته في هذه المدينة وبعده عني لم يكن يروق لي منذ البداية.. ولكن الظروف لم تساعد على لم شملنا في بيت واحد كما هم الأخوة الأشقاء.. ودعته وذهبت إلى المزرعة لأقابل أروى وأهلها, وأقضي معهم بعض الوقت قبل السفر.. في المزرعة طبعا كانت تنتظرني مشكلتي الكبرى.. مع أروى... كنا أنا وهي نجلس بين الأشجار.. بعيدا عن مرأى أو مسمع أي إنسان.. نتحدث بشأن كلامها الجنوني في لقائنا الفائت.. اعتقدت إنه كان انفعالا مؤقتا, غير أنني وجدتها على نفس الموقف هذا اليوم وقد تجلى الإصرار الشديد عليها.. أروى كانت على غير سجيتها... غاية في التوتر والعصبية... "اسمعني يا وليد.. لا أريد أن نضيع الوقت والجهد في محاولة تغيير المواقف.. كل ما عليك اتخاذه الآن وبشكل حاسم هو القرار المصيري.. إما أن تأخذني أنا معك, وللأبد... أو تأخذها هي معك.. وللأبد". كنت قد استنفذت طاقتي في محاولة إقناعها بالتخلي عن حلها الجنوني هذا.. لكن دون جدوى.. قلت منفعلا: "الهراء الذي تتفوهين به لن أحمله محمل الجد.. أجد نفسي مضطرا لأن أتركك هنا مؤقتا وأعود معها هي إلى أن تنتهي موجة الجنون الذي أودت بعقلك... بعدها نناقش بعقل كل أمورنا". أروى هتفت: "لا تتهرب يا وليد.. أنا أحدثك بكل جدية... إما أنا أو هي, ولا خيار ثالث مطلقا". الاصرار كان يندلع كالنار من عينيها.. والنار لم تحرق عيني ورأسي فقط.. بل وأشعلت الآلام التي لم بالكاد هدأت قليلا في معدتي.. شهقت شهيقا طويلا لأملأ صدري بالهواء وأضغط على معدتي... ثم استدرت للوراء وخطوت مبتعدا عنها.. "وليد إلى أين؟" لم أرد.. وخطوت خطوة أخرى فقالت: "هل أفهم من هذا.. أنك قررت اختيارها هي؟" توقفت لحظة ولم أستجب.. ثم خطوت خطوتين أخريين فسمعتها تقول بانفعال: "إذا قررت الذهاب إليها فلا تفكر بالعودة إلي ثانية". عند هذا الحد واستدرت إليها مذهولا وهتفت بغضب: "ماذا تعنين؟ أروى... أخرجي من رأسي في هذه الساعة.. أكاد أنفجر.. بالله عليك ماذا تعنين بهذا الجنون؟؟" أروى حمبقت برهة بي ثم قالت: "ننفصل". فجأة... أصيب رأسي بارتجاج حاد إثر هذه الكلمة الفظيعة وانفغر فوهي وانفتحت حدقتاي أوسعهما... ذهلت... صعقت... تصلبت في موضعي... غير مصدق!! نطقت وأنا لا أجرؤ على التفوه بالكلمة من شدة فظاعتها: " ماذا؟؟ تقولين ننـــ...ننـــــ... ماذا؟" أجابت أروى بكل ثقة: "ننفصل يا وليد". ولم يزدني برودها إلا ذهولا فوق ذهول... بقيت أحملق فيها لوقت ما كان أطوله.. ثم أخرجت عبارات عشوائية من لساني: "كيف تجرأت يا أروى؟ لا بد أنك بالفعل قد جننت...!... ماذا...؟؟ كيف أطاعك لسانك على التفوه بها؟؟ تقولين.. ننفصل؟؟" صمتت أروى فسرت حتى صرت أمامها وقلت غير مصدق: "ننفصل يا أروى؟؟ هل قلت ننفصل؟" أروى قالت وقد تغير صوتها وجاء مبحوحا: "نعم.. فنحن.. لن نستطيع العيش.. أنا.. وأنت.. وابنة عمك.. سوية... لقد خيرتك.. وأنت من اختار التخلي عني من أجلها". مددت يدي إلى ذراعها وهززتها بقوة وصرخت: "أنا؟؟" وتابعت: "بل أنت يا أروى من قرر كل شيء بجنونك.. أنت من يرفض العودة معي.. تعرفين كم هي ظروفي حرجة هذه الفترة وعوضا عن حمل الهم معي تزيدين عاتقي أثقالا.. تريدين مني ترك رغد في بيت خالتها للأبد؟؟ هذا المستحيل بعينه.. أنا لن أتخلى عن مسؤوليتي عن ابنة عمي هذه تحت أي ظروف ومهما كان". قالت أروى بغضب: "إذن تخل عني واحتفظ بابنة عمك المدللة الغالية... لأناية.. حبيبة قلبك التي لا تخجل من الاحتفاظ بصورتها تحت وسادتك". هنا.. فار التنور.. رفعت يدي وأوشكت على تسديد لكمة قوية إلى وجهه أروى, غير أنني توقفت عند آخر جزء من الثانية.. وتركت يدي معلقة في الهواء..
أروى صارت تحملق بي بذهول فائق.. وتحول لونها إلى الأصفر من شدة الفزع.. ولو كنت قد سددت ضربتي إلى وجهها لكنت قد فصلت فكها الأسفل عن رأسها كليا.. تراجعت بقبضتي الثائرة والتفت يمينا فرأيت الشجرة التي نقف إلى جوارها تراقبنا بسلام.. وكامجنون ضربت أحد أغصانها بعنف فخر مكسورا على الأرض.. ابتعدت مسرعا عن أروى لئلا تنالها يدي ببطش شديد.. ذهبت أبحث عن العم إلياس فألفيته والخالة يجلسان عند مدخل المنزل يصنعان السلال السعفية ويتبادلان كرة الحديث.. حين رأياني رحبا بي ودعياني للجلوس معهما.. ولكنهما سرعان ما رأيا الشرر يتطاير من عيني والعرق يتصبب من جبيني.. العم إلياس وقف وقال قلقا: "ما الخطب يا بني؟؟"
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 4:01 am | |
| هتفت بغضب: "عمي أريد أن أحدثك عن شيء". وقد خرج صوتي مرعبا ما جعل الخالة ترفع يدها إلى صدرها... قال العم: "اهدأ يا بني.. رجاء". قلت منفعلا: "يجب أن تتدخل وتفعل شيئا يوقف جنون ابنة أختك هذا". الخالة وقفت بدورها هي الأخرى وقالت: "ماذا يحصل؟؟" العم إلياس خاطبني: "اجلس يا بني هداك الله.. تبدو منفعلا جدا". والتفت إلى الخالة وطلب منها: "احضري بعض الماء يا أم أروى باركك الله". الخالة دخلت إلى المنزل على مضض لتحضر الماء, أما العم إلياس فحملق بي متسائلا وأمسك بذراعي محاولا تهدئتي, غير أنني سحبت ذراعي وشددت على قبضتي وقلت: "عمي... أروى.. فقدت عقلها.. تهددني.. إما أن أترك ابنة عمي في بيت خالتها للأبد.. أو.." ولم أقو على إتمام الجملة.. فسأل العم: "أو ماذا؟" قلت أخيرا منفعلا: "أو ننفصل يا عم". العن ذهل ونظر نحوي بدهشة فائقة.. فقلت: "يجب أن تكلمها... إنها مجنونة منذ عرفت أنني قتلت من كان ابن عمها..والآن تريد مني إخلاء مسؤوليتي عن مكفولتي اليتيمة.. التي هي أمانة في عنقي إلى يوم الدين.. وإلا سوف لن تستمر معي بعد الأن". العم كان ينظر إلي بمنتهى الدهشة التي طغت على أي قدرة اه على التعبير... قلت بحدة بالغة: "تتعامل مع رباطي بها أو برغد وكأنهما لعبة يمكن تغييرها إن لزم الأمر... أفهمها يا عم.. أنه لا يحق لها وضعي بين خيارين عابثين كهذين.. ولا الاستهانة برباطنا بهذا الشكل المخزي..وإنني لست من الاستهتار لدرجة أن.. أرمي بوصاية ابنة عمي على غيري.. أو أنفصل عن زوجتي.. فقط لأنهما لا تطيقان التعايش مع بعضهما البعض". واستدرت منصرفا قبل أن أعطي العم فرصة للاستيعاب...
********************************
مازلت واقفة عند الشجرة... أنظر إلى الغصن المرمي على الأرض... الذي كسره وليد عن جذعها قبل قليل... كنت غارقة في الدموع... لا أعرف ما أفعل أو كيف أفكر... وقد انصرف وليد غاضبا جدا مني... وسيسافر وموضوعي معه معلق وشديد الالتهاب... أحسست بحركة من حولي فنظرت في الاتجاه الذي سلكه وليد مغادرا وكلي لهفة أن يكون عاد... رأيت أمي وخالي يقبلان نحوي يكسو وجهيهما القلق الشديد... كانت أمي تمسك بكأس مليء بالماء في يدها وقطرات منه تنسكب مع خطواتها المضطربة. قبل أن تصبح في مواجهتي سبقها سؤالها: "ماذا حصل؟؟ أروى ماذا حصل مع وليد؟؟" نظرت من بين دموعي إلى عينيها وعيني خالي... وقلت: "لق... طلبت منه... أن... ينفصل عني". وأجهشت بالبكاء واستدرت إلى الشجرة التي ضربها وليد. لم أكن أسمع غير صوت بكائي إلى أن سمعت صوت خالي يهتف: "ليندا... تماسكي". استدرت إلى أمي فرأيت الكأس يقع من يدها ورأيتها تضغط على صدرها وتتنفس بصعوبة... ثم تترنح وتخر على الأرض.
******************************* استقبلتني ابنة خالة رغد الصغرى وقادتني إلى مدخل المجلس الجانبي.. لم يكن حسام ولا أبوه موجودين ساعة وصولي.. وعند المدخل وجدت أم حسام تقف في انتظارنا... كنت أعرف أنها غير راضية عن سفر رغد وخشيت أن تعود لفتح موضوع اعتراضها في هذه الساعة... والصداع مشتد على رأسي بعد شجاري مع أروى, ولا ينقصني الآن أي جدال... وبعد تبادل التحية دخلنا إلى الداخل واتخذنا مجالسنا وأخبرتني أن أبا حسام في الطريق إلينا.. ثم سألتها: "هل رغد مستعدة؟" أجابت وفي نبرتها شيء من عدم الرضا: "نعم.جمعت أشياءها بمساعدة ابنتيّ.. إنها بالكاد تتحرك.. يشق السفر عليها مع هذه الإصابة". أرجوك! لا تفتحي الموضوع ثانية الآن! قلت لئلا أدع لها الفرصة للبدء من جديد: "إذن هلا أخطرتها بوصولي من فضلك؟ لا يزال أمامنا مشوار طويل". الفتاة الصغيرة خرجت من الغرفة فورا... ذاهبة لاستدعاء رغد.. أما أم حسام فسألت: "وأين زوجتك ووالدتها؟" استغربت السؤال وأجبت: "في المزرعة". قالت مستغربة: "حسبت أنك قادم من هناك". قلت: "نعم, كنت هناك". سألت باستغراب أشد: "ولمَ لم تحضرا معك مباشرة؟" قلت مستغربا: "ولمَ؟؟" بدا القلق على وجه أم حسام مع بعض الحيرة ثم قالت: "ألن تصطحبوهما معكما؟؟" قلت: "كلا.. إنهما لن تسافرا معنا الآن". اتسعت حدقتا أم حسام واكفهرت ملامحها وقالت: "لن تسافرا معكما؟؟ ماذا تقصد يا وليد؟؟" قلت موضحا: "لن تسافرا حاليا.. لكن.. ستلحقان بنا بعد فترة.. تودان البقاء في المزرعة أياما أخرى". تعبيرات وجه أم حسام ازدادت توترا واضطرابا وقالت: "و... رغد؟؟" فهمت منها إنها قلقة بشأن من سيعتني بالصغيرة وهي مصابة هكذا.. فقلت: "لدينا خادمة لتساعدها". أم حسام قالت فجأة وبانفعال مهول: "أتريد القول.. إنك.. ستسافر مع الفتاة.. بمفردكما؟" ألجم السؤال لساني.. وفي ذات اللحظة رأيت أم حسام تهب واقفة وقد تناثر الشرر من حولها وتقول بصوت حاد: "هل جننت يا وليد؟؟ تريد أن تأخذ الفتاة بمفردها إلى الجنوب؟" وقفت تباعا وقد أصابني الذهول من أمر الخالة وأردت أن أتحدث غير أن كلامها اخترق المسافة الفاصلة بيننا بسرعة البرق وزلزلة الرعد... "كنت أظن أن خطيبتك ووالدتها سترافقانكما كما في السابق..." تدخلت بسرعة: "ستلحقان بنا عما قريب.. وكذلك سامر.. لا يمكنني ترك العمل أكثر من هذا". ردت أم حسام: "وتريد مني أن أترك ابنتي تسافر وتعيش هناك لوحدها معك؟؟ هل فقدت صوابك يا وليد؟؟" ارتبكت واضطربت كل ذرات كياني.. تحول لوني إلى الأحمر وتفجرت قطرات العرق على جسمي كله.. حاولت النطق: "خالتي". غير أنها قاطعتني بحدة وقالت صارخة في وجهي: "كفى.. هذا ما كان ينقصني... لم يبقى إلا أن نترك ابنتنا تقيم بمفردها مع رجل غريب.. من تظن نفسك يا وليد؟؟ كيف تجرؤ؟" تسمرت على وضعي مذهولا.. مكتوم النفس طائر الفؤاد محملق العينين... لا أكاد أفهم ما أسمع.. "خــــالـــ... ما.. ماذا... رجل غريب؟؟ أنا؟" صاحت أم حسام بوجهي: "نعم رجل غريب.. أتظن أن الوصاية على الفتاة تجعلك أباها حقا؟؟ أفق يا هذا... أم لأنها فتاة يتيمة وحيدة تظن أنه بإمكانك التصرف بشأنها كما يحلو لك وأن أحدا لن يوقفك عند حدودك؟؟ اصح يا وليد... يا محترم". تلقيت الكلام كصفعة قوية نارية على وجهي... النار كانت تشتعل في عيني أم حسام وفي صدرها النافث بالصراخ.. حملقت بها مذهولا.. غير مصدق لما أسمع.. ما الذي تقوله هذه المرأة؟؟ كان صدري لا يزال يحبس النفس الأخير الذي التقطته وسط النار.. أطلقت نفسي باندفاع وقوة وهتفت: "ما الذي تقولينه يا خالة؟" الغضب كان يتطاير من عينيها ومن عيني أنا تفجر بركان ثائر مدمر... "ما الذي تظنينه بي؟؟ إنني أنا وليد.. ابن شاكر وندى... ولست إنتاج وتربية شوارع.. أنا تقولين لي هذا الكلام؟؟ لقد تربيت بين أبناءك وتحت ناظريك.. وكأنك لا تعرفين من أكون؟؟ أم لأنني دخلت السجن بضع سنين تظنين أنني خرجت منه فاسقا قذرا لا يعرف حدوده ويتجرأ على حرمات الغير...؟؟ إنها ابنة عمي.. دمي وحرمتي أنا.. والأمانة العظمى التي في عنقي.. كيف تجرئين على الظن بي هكذا؟؟ لن أغفر لك هذه الإهانة.. أبدا". وسرت مبتعدا عنها متجها إلى الباب... وفي طريقي اصطدمت بطارلة فما كان مني إلا أن رفعتها وقلبتها رأسا على عقب ورميت بها بقوة بعيدا... فتحت الباب بقوة وصفعته بالجدار حتى كدت أكسرهما سوية.. ثم خرجت بسرعة مغادر المنزل... صادفت حسام عند البوابة... فدفعته بعيدا عن طريقي.. ثم ركبت سيارتي وانطلقت بأقصى سرعة.. نحو المطار..
************************
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 4:02 am | |
| ونحن نسير نحو غرفة المجلس سمعنا صوت انغلاق باب قوي.. اقشعرت له الجدران والثريات! ابنتا عمي كانتا تتعاونان في حمل حقيبة سفري وأنا أسير بعكازي حاملة حقيبة يدي على كتفي إلى أن وصلنا إلى الباب.. الاثنتان عانقتاني وودعتاني وابتعدتا.. طرقت الباب الداخلي لغرفة المجلس بهدوء ثم فتحته وأطللت بعيني في شوق لرؤية وليد قلبي.. مسحت الغرفة بعيني وطولا وعرضا وارتفاعا.. ولم أعثر على وليد! لكني رأيت إحدى الطاولات مقلوبة والتحف الزجاجية مكسورة على الأرض! ورأيت خالتي تقف عند الباب الخارجي للمجلس, ثم رأيت حسام يدخل وهو يسأل: "ماذا حدث؟؟" وسمعت خالتي تسأله: "هل خرج؟" قال حسام: "ضربني بيده وخرج! ماذا حل بهذا الرجل بحق السماء؟" قالت خالتي وهي تغلق الباب وتقفله بعد دخول حسام: "لا أعرف ممن ورث هذا المتعجرف غلظته! لا ياسر ولا شاكر رحمهما الله ولا سامر يحفظه الله فيهم شيء من الفظاظة.. بل هم في منتهى التهذيب واللطف والهدوء.. أما هذا.. أعوذ بالله! متوحش وأخرق... انظر ماذا فعل؟" وهي تشير إلى الأرض... فتحت أنا الباب وتقدمت إلى الداخل في قلق وتساؤل... وأخذت أحدق في خالتي وأسأل: "ماذا حدث؟" وكان وجه خالتي يتقد احمرارا فرمقتني بنظرة صامتة ثم انحنت إلى الأرض ترفع قطع الزهرية المكسورة. عدت وسألت: "أين وليد؟" أجابت وهي لا تنظر إلي: "غادر". ماذا؟؟ غادر؟؟ ماذا تعنين بغادر؟؟ سألتها: "غادر؟؟" قالت بغضب: "نعم غادر.. عسى ألا يعود". هتفت بقوة: "أعوذ بالله... لماذا ياخالتي؟؟.. ماذا حصل؟؟" قالت وهي ترفع نظرها إلي وتتكلم بعصبية: "إنه مجنون... لا يعرف حدود نفسه.. يظننا سنتركه يتصرف كيفما يريد.. متسلط فظ وعنيف.. من أين أتى بكل هذه العجرفة والوحشية؟" حسام عقب مباشرة: "من السجن قطعا". اشتططت غضبا وانفجرت بشدة: "لا تتحدثا عن وليد هكذا... لا أسمح لكما.." ثم تقدمت نحوهما وقلت: "أخبراني ماذا حصل؟؟" قال حسام: "ألا ترين؟" مشيرا للطاولة المقلوبة على الأرض.. والزجاج المتناثر حولها... قلت: "وليد فعل هذا؟" ووجهت خطابي لخالتي التي لا تزال جاثية على الأرض تلملم ما تبعثر.. "لكن لماذا؟؟ ماذا حدث؟؟ هل تشاجرت معه؟" خالتي وضعت ما بيدها جانبا ووقفت وقالت: "نعم تشاجرت معه.. وغضب وصرخ في وجهي وقلب الدنيا رأسا على عقب وخرج ثائرا كالبركان". قلت بسرعة: "ماذا قلت له؟ هل أهنته ثانية؟؟ خالتي..!! إلى أين ذهب الآن؟" ردت بحدة: "إلى حيثما ذهب... بلا رجعة". هتفت منفعلة: "بعد ألف شر... خالتي لا تقولي هذا ثانية يكفي أرجوك". وعمدت إلى حقيبة يدي واستخرجت هاتفي واتصلت بهاتف وليد.. كان الهلع ينخر رأسي بشراسة وما إن رن الهاتف حتى كان قد أتى على قواي الذهنية كاملة... الهاتف رن مرة ثم مرة أخرى ثم انقطع الاتصال.. عاودت الاتصال فوجدت الهاتف مغلقا.. كررت الاتصال عدة مرات.. الهاتف ظل مغلقا.. قلت أخاطب خالتي: "أغلق هاتفه". ثم سرت نحو هاتف المنزل الموضوع على منضدة في الجوار واتصلت برقم وليد مرات أخرى.. دون جدوى.. قلت بعصبية: "الهاتف مغلق يا خالتي ماذا قلت له؟" خالتي تنهدت ثم قالت: "اعترضت على سفرك معه". صدمت.. حملقت فيها مندهشة وسألت: "ماذا؟؟ لكن لماذا؟؟ تعرفين أنه آتٍ لأخذي فماذا تغير؟" قالت خالتي وقد عاد الانفعال على وجهها: "لن أسمح له بأخذك معه يا رغد... ستبقين معي وتحت عيني.. سأضع حدا لجنون هذا المتسلط". تركتني خالتي في إعصار الحيرة والهلع واشتغلت بتنظيف وترتيب الطاولة وما حولها متجاهلة تساؤلاتي... مما زادني يقينا فوق يقين بأن ما حصل كان أمرا خطيرا... "خالتي أرجوك أفهميني ماحدث؟؟ ماذا فعل؟ ماذا قلت له؟؟ بالله عليك أخبريني". وهذه المرة حسام ساندني وقال: "أخبرينا بما حدث يا أمي؟" خالتي قالت أخيرا: "تصورا.. كان يريد أخذ رغد بمفردها إلى بيته! دون خطيبته ولا والدتها..! يظن أن الوصاية كافية لتجعله مثل أبيها.. يقيم معها بمفرده أينما يريد". هتف حسام مستنكرا: "ماذا ماذا؟؟ يقيم معها بمفرده هكذا بكل بساطة؟؟ يا سلام! من يظن ذلك المعتوه نفسه ؟؟" خالتي قالت: "وبكل جرأة يخبرني بأن خطيبته لن تسافر معه.. بلا حياء ولا لياقة.. ولما اعترضت ثارت ثائرته وزلزل المنزل.. وقلب الطاولة بالتحف... المجنون!" تسمرت في مكاني مصعوقة بما أسمع.. ثم قلت: "لكن.. لكن.. إنه.. إنه الوصي علي". قالت خالتي بغضب: "الوصي عليك شيء وأن يقيم معك بمفردكما في بيته شيء آخر..." قلت مذهولة: "خالتي!! إنه ابن عمي". ردت مقاطعة: "وحتى لو كان ابني... مجنونة أنا كي أدعك تقيمين بمفردك مع رجل غريب؟ حتى لو كان حسام أو أبا حسام.. هذا ما كان ينقصنا. قلت وأنا في ذهولي: "ألا... تثقين به؟" ردت: "أثق بمن؟؟ بهذا؟؟" وهي تشير إلى موضع الطاولة... ثم أضافت: "المتوحش المتعجرف خريج السجون؟؟" عندها صرخت من أعماق قلبي: "يكفي... يكفي... لا تتحدثي عنه هكذا... لا أسمح لكم بإهانته... لا أقبل أن تصفوه بهذا... أنتم لا تعرفون شيئا..." والتقطت السماعة واتصلت من حديد وللأسف كان هاتف وليد مغلقا... أعدت الاتصال مرة ومرتين ومئة.. والهاتف لا يزال مغلقا... ياإلهي.. وليد قلبي غاضب ولا يريد التحدث معي؟؟ نظرت إلى الساعة.. الوقت يمر ومن المفترض أن نكون في الطريق إلى المطار... اتصلت بهاتف سامر ولما رد علي قلت باضطراب: "هل وليد معك أو اتصل بك؟؟" استغرب سامر السؤال فسألني: "لا! غادر منذ الظهيرة... أليس في المزرعة؟؟" قلت بتوتر: "كان هنا في بيت خالتي ليصطحبني إلى المطار, لكنه غادر من دوني.. أتصل به ولكنه مغلق هاتفه.. أرجوك حاول التصال به وبالمزرعة واطلب منه مهاتفتي فورا..." سألني وقد تجلى القلق في نبرته: "هل حدث شيء يا رغد؟؟" نظرت نحو خالتي وأجبت: "تشاجر مع خالتي.. لكن أرجوك قل له أن يتصل للضرورة". صمت سامر لحظة ثم قال: "حسنا". وأنهيت المكالمة وبقيت جالسة على الجمر المتقد أنتظر اتصال سامر, وهاتف المنزل وهاتفي المحمول كلاهما في حظني... فيما عيناي محملقتان في ساعة يدي... مرت الدقائق تلحق بعضها بعضا... والهاتفان لا يرنان... لم أطق صبرا حاولت الاتصال بوليد دون جدوى واتصلت بسامر فقال إنه لم يجده في المزرعة وأن هاتفه المحمول مغلق طوال الوقت... في هذه اللحظة حضر زوج خالتي وعلم بما حصل وبدوره صار يحاول الاتصال بوليد عبر هاتفه بلا فائدة... مضى الوقت.. ولا من خبر من أو عن وليد.. نبضات قلبي آخذة في التباطؤ.. أطرافي ترتجف خوفا وقلقا.. أنظاري متمركزة على الهاتفين وعلى الساعة.. والآن لم تعدعيناي بقادرتين على الرؤية... الضباب كثيف.. لا بل هي قطرات الندى.. لا بل الدموع... تريد الانطلاق من محجري... وبعد ما يفوق الساعة... رن هاتفي المحمول... نظرت إلى الشاشة فرأيت اسم سامر... أجبت بسرعة: "نعم سامر هل كلمته؟؟" قال: "كلا.. إنني الآن عند باب المنزل". "المنزل؟" "أعني منزل خالتك... هل حسام هناك؟" وطلبت من حسام الذهاب لاستقبال سامر... غادرت خالتي المجلس وعاد حسام مع سامر... والأخير بدأ التحية والسؤال عن الأحوال ثم سألني مباشرة: "ماذا حدث؟؟" قلت بشكل غير مرتب: "خرج غاضبا... إنها خالتي... إنه موعد إقلاع الطائرة... هل سافر بدوني؟؟" رآى سامر اضطرابي فحاول تهدئتي ثم قال: "لن يفعل ذلك... لكن أخبريني ما الذي حدث بالضبط؟" قلت منفعلة: "خالتي تشاجرت معه... إنها يقسون عليه ولا يحترمونه ولا يثقون به". أبو حسام قال مدافعا: "ليس الأمر كذلك لا سمح الله.. أنه ابننا مثل حسام ومثلك يا سامر ولكن أم حسام جن جنونها مذ رأت الفتاة بالعكاز والجبيرة... تعرف كم تحب ابنة أختها وتقلق عليها ولا تريدها أن تبتعد عنها". قلت بغضب: "لكن لا ذنب لوليد فيما حصل لي... لماذا تنظرون إليه هكذا؟؟ إنه يعتني بي جيدا ويعاملني بكل احترام وحنان وأدب... وأنا لا أسمح...لا أسمح.." وأخذت شهيقا باكيا ثم زفرت نفسي مع دموعي: "لا أسمح لأحد بأن يهينه... ولا أقبل بأن ينعته أحد بالمجرم... أنتم كلكم قساة... كلكم بلا مشاعر... كلكم ظالمون". انخرطت في بكاء لم أبك مثله أمام أحد مسبقا... غير نهلة... الثلاثة... سامر وحسام وأبوه التزموا الصمت للدقائق الأولى... ثم تحدث سامر مخاطبا الآخرين: "بعد إذنكما... هل لي بحديث خاص مع ابنة عمي؟" وشعرت بهما يغادران... ثم شعرت بسامر يقترب مني وسمعته يناديني... مسحت دموعي ونظرت إيه فقال: "أفهميني يا رغد... ما الذي يدور ها هنا؟؟" قلت مقاطعة: هل تعتقد أنه سافر؟" سامر قال: "لا. كيف سيسافر ويتركك؟" قلت: "إذن لماذا أقفل هاتفه؟؟ انظر إلى الساعة.. لا شك أن الطائرة قد أقلعت منذ فترة..." ولمعت في رأسي فكرة فقلت: "اتصل بالمطار وأسأل عنه".
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 4:03 am | |
| وأنا أراقب سامر وهو مشغول بطلب الرقم تلو الآخر... سمعته أخيرا يتحدث إلى الطرف الآخر باهتمام, ثم شكره وأغلق الهاتف... نظر إلي وعيناي متعلقتان به بلهفة... ثم قال: "يبدو... أنه سافر بالفعل يا رغد". "سافر؟!" قال سامر: "الموظف أكد لي أن اسم وليد شاكر جليل... أدرج مع قائمة أسماء المسافرين الذين ركبوا الطائرة المتجهة إلى الجنوب". نظرت إليه بتشتت... بضياع بعدم تركيز.. بعدم تصديق.. بانهيار.. "لا!" سامر كان ينظر إلي بقلق وخوف... قلت: "وأنا؟؟" لا زال سامر ينظر إلي.. والتعاطف ينبثق من نظراته... كررت: "وأنا؟؟ ماذا عني أنا؟" سامر قال: "وليد لن يفعل شيئا كهذا لسبب تافه... أخبريني ماذا حصل بالتفصيل يا رغد". قلت وأنا أنهار: "لا أعرف.. أخبروني بأنه وصل.. فأتيت إلى هنا ولم أجده.. رحل فجأة.. تشاجر مع خالتي في دقائق معدودة.. وغادر غاضبا.. خالتي أهانته.. لا أعرف ما قالت بالضبط لكنها عارضت سفري معه بدون الشقراء.. لا بد أنها رمته بألفظ قاسية.. إنها تكرهه ولا تثق به.. تعيّره بالمجرم.. وتنعته بالمتوحش وخريج سجون.. وكلمات جارحة ومهينة... آه يا إلهي.. وليد لا يستحق هذا.." وأخفيت وجهي خلف يدي اليسرى من مرارة الموقف.. وعصرت عيني دموعا شجية... أحسست بشيء يلامس يدي ففتحت عيني ورأيت منديلا تمده يد سامر نحوي.. "هوني عليك يا رغد". قال سامر مواسيا.. أخذت المنديل ومسحت دموعي ثم قلت: "ماذا أفعل الآن؟" قال سامر مطمئنا: "عندما يصل إلى المنزل سنهاتفه... لا بد أنه كان غاضبا... لكنه سيهدأ". قلت بلهفة: "هل تظن أنه سيعود؟" قال: "بل أنا على يقين من ذلك.. اطمئني.." ثم أطرق برأسه إلى الأرض وشرد قليلا... ثم قال: "لم أكن أعلم بأنهم يسيئون إلى أخي..." نظرت إليه فإذا بالاستياء البالغ يعشش على قسمات وجهه وإذا بكفيه ينقبضان بشدة غضبا... نظر إلي وألقى علي سؤالا: "أأنت من أخبرهم عن سجنه؟؟" أطرقت برأسي... وأومأت نفيا... وكانت نظرات الاتهام تشع في عينيه... وقبل أن أتكلم سمعنا صوت خالتي تلقي بالتحية وهي تطل علينا عند الباب... التفتنا إليها فإذا بها تقبل يتبعها حسام يحمل صينية أكواب الشاي... وبعد حوار سريع وسطحي سألت: "هل رد عليكم؟" قال سامر: "ليس بعد فهو في الطائرة الآن". قالت: "إذن فقد سافر". ثم أضافت: "رافقته السلامة". لم أحتمل ذلك.. هببت واقفة هامة بالانصراف... فإذا بسامر يهب واقفا هو الآخر ويستأذن للمغادرة... ناداه حسام: "والشاي؟؟" فرد مقتضبا: "في مناسبة أفضل". وغادر المكان... في الردهة... رأيت حقيبة سفري لا تزال واقفة قرب الباب.. تنتظرني.. أشحت بوجهي بعيدا عنها فاستقبلتني أعين ابنتي خالتي اللتين تقفان على بعد تراقبانني... وبعد عناق الأعين جاء دور عناق الأذرع والأحضان... وليد قلبي... سافر ليس فقط من دوني.. بل ودون وداعي.. ودون أن يكلمني.. ودون أن تقع عيناي عليه ولو لنظرة أخيرة..
***************************
تسع ساعات وأنا أحاول الاتصال بشقيقي من حين لحين وبجميع الأرقام التي لدي دون نتيجة..أخذ القلق يتفاقم في صدري, خصوصا وأن رغد تتصل بي مرارا وتهول الأمر.. حتى أنها أقترحت علي مهاتفة صديقه سيف غير أنني عارضت الفكرة وطلبت منها الانتظار حتى صباح اليوم التالي. وفي الصباح اتصلت بهاتفه فوجدته لا يزال مغلقا, وبالمنزل فلم يجبني أحد, ثم بهواتفه المباشرة في مكتبه في مقر عمله, فأخبرت وبأنه قد اتصل بهم قبل فترة وأبلغهم عن عودته من السفر... على الأقل أعرف الآن أنه وصل إلى المدينة الساحلية بسلام.. اتصلت برغد وأخبرتها بالجديد وكنت أظن أنها سترتاح للخبر غير أنها انزعجت وحزنت كثيرا... كان أخي قد قضى في شقتي عدة أيام وقد كانت أياما جميلة أنعشت في صدري الذكريات الماضية التي لن تعود.. الجميلة والمؤلمة معا.. وكان أشدها إيلاما هي ذكريات والدينا رحمهما الله... لم تمض سنة بعد على مصرعهما.. والنار لا تزال تتأجج في صدري.. ولن تخمد أبدا.. وهو السبب الأول الذي كان يمنعني من العودة إلى المدينة الساحلية والعيش في بيتنا القديم المليء بالذكريات.. مع شقيقي الذي ما فتىء يطلب مني هذا.. أما الثاني فهو بلا شك رغد... وفي هذه المرة ألح علي شقيقي للسفر معه وأبلغني بأن خطيبته لن ترافقه وبأنه لا يستطيع ترك رغد في بيت خالتها فهي بحاجة لمتابعة العلاج وكذلك الدراسة.. وقد خططت جديا للحاق به عما قريب.. خصوصا وأنا أرى أنه من الأفضل لي الابتعاد عن هذه المدينة لبعض الوقت.. أثناء وجودي في مقر عملي في المدينة التجارية عاودت الاتصال بهاتف شقيقي وللمفاجأة كان مفتوحا. رن عدة مرات قبل أن يجيب وليد أخيرا: "السلام عليكم". "مرحبا سامر... وعليكم السلام ورحمة الله". وكان صوته منهكا: "كيف حالك؟ وحمدا لله على سلامة الوصول". "سلمك الله". يرد بجمل قصيرة وعلى عجل. سألته: "ما هذا يا وليد! ألف مرة أتصل بك وهاتفك مغلق؟" "نعم. لقد تركته مغلقا منذ الأمس". سألت: "أقلقتنا.. ماذا حصل؟ هل أنت بخير؟" "نعم.. نعم". قلت: "تبدو مشغولا". أجاب: "أجل.." قلت: "حسنا.. سأتصل لاحقا.. أرجوك لا تغلق الهاتف.." "حسنا". وانهينا المكالمة ومباشرة هاتفت رغد وأخبرتها فأبلغتني بأنها ستتصل فورا. بعد قليل اتصلت بي وأخبرتني بأن وليد لا يجيب. أبلغتها بأنه مشغول واقترحت عليها الاتصال بعد ساعة أة أكثر.. واتصلت بي بعد ساعة ثم بعد ساعة أخرى تخبرني بأنها كلما اتصلت بهاتف وليد وجدته مفتوحا ولكنه لا يجيب. على هذا النحو مر ذلك النهار وفي الليل اتصلت به ودار بيننا حديث قصير امتنع فيه وليد عن ذكر ما حصل يوم أمس. أظهر لامبالاة غريبة عندما حدثته عن رغد. باختصار.. شقيقي كان غاضبا جدا من عائلة الخالة أم حسام بما فيهم رغد ولا يرغب في الإتيان بذكر أي منهم.. على الاطلاق.. كان هذا غريبا لكن الأغرب.. أنه وبعد يومين بعث إلي بظرف عبر البريد الجوي الموثق... يحوي وثائق هامة... طلب مني الاحتفاظ بها... وأخبرني بأنه مسافر إلى خارج البلاد للاستجمام. الظرف كان يحوي تقريرا طبيا مفصلا عن إصابة رغد.. وصورا لبطاقته العائلية الشاملة لاسم رغد.. وشيكا مصرفيا بمبلغ كبير.. وتوكيلا مؤقتا باسمي لأتولى الوصاية على رغد..خلال الفترة التي سيقضيها في الخارج... هكذا سافر وليد قبل أن يترك لنا المجال للاستيعاب... ويمكنكم تصور وقع نبأ كهذا على الفتاة التي كانت تحترق رمادا من أجل مهاتفته.. والتي تتلوى شوقا لعودته.. وتتصل بي عشرات المرات من السؤال عنه.. عندما رأيت ما حل بها.. تقلبت في مخيلتي ذكريات قديمة أخرى.. كانت مركونة بإهمال في إحدى نتوءات دماغي. حدث ذلك قبل تسع سنين عندما كنا في المدينة الساحلة في بيتنا القديم. بعد أن غادر وليد المنزل, أصيبت رغد بحالة افتقاد مرضية إله.. في تلك الفترة رفضت الذهاب إلى المدرسة وصارت تلازم والدتي كالظل حتى في النوم وتراودها الكوابيس المفزعة وتصحو من النوم مفزوعة وتصرخ (أريد وليد.. أريد وليد) كانت أشبه بالمذعورة وقد أدخلناها للمستشفى بسبب رفضها للطعام وزاد الأمر سوءا الحرب والتدمير الذي تعرضت له مدينتنا وجعل الناس جميعا يعيشون حالة ذعر هستيري. ومن سيء إلى أسوأ تدهورت حالتها حتى قرر والدي رحمه الله الهجرة إلى الشمال الذي كان ينعم بأمان حتى العام الماضي.. ومن سيء إلى أسوأ تدهورت نفسية رغد بعد سفر وليد المفاجىء هذا ووجدت نفسي أعاصر إحدى أسوأ الفترات العصبية التي عاشتها من جديد...
******************************
منذ ذلك اليوم المشؤوم... الذي رحل فيه وليد بعد شجاره معي... ووالدتي طريحة الفراش في المستشفى والأطباء قرروا إجراء عملية جراحية لقلبها المريض.. أخيرا... كان خالي يواضب على الاتصال بوليد الذي لم يكن يجيب... حتى رد اليوم وأبلغ خالي بأنه مسافر إلى خارج البلدة لبضعة أسابيع. تدهورت صحة والدتي لما علمت بالخبر من خالي.. وها نحن نجلس إلى جانبيها في غرفة العناية القلبية المركزة.. والطبيب يبقي كمامة الأوكسجين على وجهها ويمنعها عن بذل أي مجهود يتعب قلبها. أنا أمسكبيدها أضمها إلى صدري وأقبلها وأدعو الله أن يشفيها عاجلا... التفت والدتي إلي وسألتني: "ألم تتصلي بزوجك؟" فأجبتها: "كلا". فقالت: "هل يعلم بأنني في المستشفى؟" فقلت: "نعم. فقد أخبره خالي بذلك". ونظرت إلى خالي الذي حرك رأسه مؤيدا. فقالت أمي: "إذن لماذا لا يحضر لزيارتي؟ ليس من عادته التخلف في موقف كهذا". أجاب خالي: "لأنه مسافر حاليا". فنظرت إلي وشدت على يدي وقالت: "يا ابنتي.. هل تخفين عني شيئا؟" فقلت: "كلا". ولكنها بدت متشككة واستدرت إلى خالي وسألت: "هل تخفون عني شيئا يا أخي؟" فقال أخي: "ربما حصل شيء.. بعد ذلك الشجار... ربما وليد نفذ ما طلبته أروى... لا أريد أن أرحل وأنا غير مطمئنة على ابنتي". قربت رأسي من رأس أمي وأخذت أحضنها وأقبلها وأقول: "لا تقولي هذا يا أمي أرجوك". وهي تتابع: "الأعمار بيد الله.. نسأله حسن الخاتمة". فلم أتمالك نفسي وفاضت الدموع في عيني.. وقلت: "أرجوك يا أمي لا تتحدثي هكذا.. شفاك الله ومد في عمرك.. أنا من لي غيرك في هذه الدنيا؟" وأحسست بيدها تمتد وتلامس يدي ثم سمعتها تقول: "لا زوجك.. وخالك.. يرعاكم الله". ثم التفتت إلى خالي وقالت: "أخي يا قرة عيني.. أحضر وليد وصالحهما أصلح الله لك آخرتك.. الشاب جيد ومن خيرة الرجال وأنا ما كدت أصدق أنني وجدت من أستأمنه على ابنتي مهجة قلبي". خالي مسح على رأس أمي وقال: "لا تشغلي بالك بهذه الأمور يا أم أروى هداك الله.. إنه شجار عابر يحصل بين أي زوجين وينتهي". لكن أمي أبدت عدم التصديق مخاطبة خالي: "لا تدعه يذهب يا إلياس.. ما كان نديم ليطلب من شخص عادي أن يهتم بعائلته". ثم التفتت إلي وقالت: "لو لم يكن رجلا بمعنى الكلمة.. لما تمسك بالمسؤولية عن ابنة عمه اليتيمة بهذا القدر". وشددت على يدي وقالت: "تمسكي به يا أروى.. لا تفرطي به.. يهديك الله".
******************************
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الثلاثاء فبراير 10, 2009 4:04 am | |
| حصلت على أقرب موعد ممكن مع أحد أطباء العظام في إحدى المستشفيات الكبيرة في المدينة الصناعية واليوم سآخذ رغد من أجل المعاينة ومتابعة العلاج. استخرجت الظرف الذي أرسله لي شقيقي قبل سفره وقلبت الأوراق لاستخراج التقرير الطبي. وأثناء ذلك اطلعت على مجمل الأوراق وبشكل أخص على ورقة التوكيل. كانت ورقة رسمية وموثقة من قبل مكتب المحامي يونس المنذر وهو شخص سبق لوليد وأن أخبرني بأنه يعمل معه في المصنع. ذكر في هذا التوكيل أمورا كثيرة يفوضني لتوليها وفي الأسفل ذكرت جملة الاستثناءات.. وفي الواقع لم يكن هناك غير استثناءين اثنين... الزواج والسفر! ويحك يا وليد! وهل تظن مثلا بأنني سأستخدم هذا التوكيل وأعيد رغد إلى ذمتي وأهرب بها بعيدا؟؟ ليتني أستطيع ذلك.. أخذت أوراق التقرير الطبي وذهبت إلى بيت أبي حسام. تمنيت أن أقابل رغد بحالة أفضل ولكنها كانت بحالة يرثى لها.. "لا أريد أن أذهب إلى أي مكان... ومن فضلك يا سامر لا تضغط علي..." هذا ما استقبلتني به فقلت: "بربك رغد! لا بد من معاينة إصابتك ومتابعة علاجك. بل إنني أخشى أن نكون قد تأخرنا ويصيب قدمك أو يدك شيء لا قدر الله". قالت بلا مبالاة: "لا فرق عندي". لن أبذل الجهد في محاولة تشجيعها فنبرتها أشد كآبة من أن تتغلب كلماتي عليها... لكنني قلت برجاء: "يا رغد.. يجب أن نزور الطبيب حتى تتخلصي من هذا العكاز وهذه الجبيرة.. هل يعجبك أن تظلي معاقة عن الحركة الطبيعية وحتاجة لمساعدة الآخرين في أبسط الأشياء؟" وكانت الآنسة نهلة تجلس معنا وسترافقنا إلى المستشفى, فقالت مشجعة رغد: "على العكس. أنها تريد التخلص من هذين بسرعة. أليس كذلك؟ اشتاقت إلى الرسم ونتوق لفنها الرائع! هيا بنا عزيزتي". لكن ردة فعل رغد جاءت عنيفة! انفجرت صارخة: "قلت لكما اتركاني وشأني... لا أريد الذهاب إلى أي مكان... إلا إذا شئتما حملي إلى المقبرة ودفني تحت الأرض... لأرتاح وأريحكم جميعا..." قالت الآنسة نهلة بعد الدهشة: "بعد ألف شر! لا تتكلمي هكذا يا رغد". فردت رغد بانفعال: "ما لم يعجبكم كلامي فحلوا عني... لماذا تضغطون علي؟؟ أتركوني وشأني... أتركوني وشأني.." وهمت بمغادرة المجلس حيث كنا هي وأنا والآنسة نهلة جالسين... في ذات الوقت دخلت الخالة أم حسام الغرفة وهي تنظر نحو رغد ويظهر أنها سمعت صوتها الصارخ وكلامها الزاجر... لما رأت رغد خالتها تصرفت بعصبية أكبر وغيرت اتجاه سيرها واستدارت نحو الباب الخارجي للمجلس وخرجت إلى الفناء... أم حسام لحقتها بسؤال: "إلى أين يا رغد؟" والأخيرة ردت بحدة: "إلى حيث ألقت". وهذه إجابة وبأسلوب لم أعهده على رغد. فهي لطالما كانت تحب خالتها وتعاملها بكل احترام ومودة كما وأن رغد فتاة مهذبة وهادئة الطباع وراقية الأسلوب. هذا تحول غريب في شخصيتها صبغها به حزنها وغضبها بسبب سفر وليد. وبعد أن انصرفت رغد خاطبتني الخالة متسائلة: "هل وافقت؟" فأجبت إجابة مخيبة: أبدا. لم تعرني أذنا صاغية. جل ما أخشاه هو أن تتطور إصابتها للأسوأ لا قدر الله". فقالت الخالة آسفة: "إنها لا تستمع إلي وترمقني بنظرات الاتهام وتشعرني بأنني ارتكبت جريمة عظمى في حقها. أيرضيك أن ندعها تسافر مع وليد بمفردهما؟؟ هل هذا يليق؟؟" ولم أشأ فتح المجال لها لإدارة موضوع هكذا الآن, وفي خاطري نقمة على المعاملة السيئة التي عومل بها شقيقي من قبلها وآثرت أن أصرف الاهتمام إلى إصابة رغد فقلت: "سألحق بها وأحاول إقناعها... على الأقل ولو بزيارة واحدة للطبيب الآن". ونهضت واستأذنت وخرجت إلى الفناء أتعقب رغد. فوجدتها تسير ببطء بعكازها متغلغلة في الحديقة حتى وقفت عند إحدى الأشجار الباسقة فاستندت إليها وأطلقت بصرها نحو الأعلى. توقفت على بعد مترين أو أكثر منها ثم سألتها: "أيمكننا التحدث؟" ردت بضيق: "أرجوك لا تتعب نفسك وتتعبني... لن أذهب إلى المستشفى ولا يهمني ما يحل برجلي ولا بيدي... لن أخسر شيئا إن فقدتهما أيضا إزاء كل ما فقدت". الحزن بلغ بها لهذا الحد... وحزنها يعصرني... قلت بلطف مشجعا: "أنت لم تخسري شيئا يا رغد..." فرمتني بنظرة قوية وقالت: "ما حجم الخسارة التي تريدون مني فقدها حتى يمكنكم رؤيتها؟؟" رددت: "لا أحد يريد لك خسارة شيء... رغد لا تنظري للأمر هكذا". وضغطت على أعصابي وأضفت: "إنه سافر مؤقتا ولم يرحل عن الدنيا لا سمح الله". وأخذت تعبيرات وجهها تنهار شيئا فشيئا... وتابعت: "وسيعود حتما بإذن الله." أطرقت برأسها وقالت نافية: "لن يعود... لقد تخلى عني... أخلف بوعده... إنه دائما يخلف بوعوده.... لطالما كان يتركني ويسافر بعيدا... يظن أنني سأبقى حية لحين عودته ذات يوم... لا يعرف أنني سأموت عاجلا بسببه". عضضت على أسناني بمرارة وتحملت الألم وقلت: "بعد ألف شر وشر... لا تكوني متشائمة هكذا... لقد أخبرني بأنه سيقضي بضعة أسابيع للاستجمام هناك ثم سيعود". قالت مصرة: "لن يعود إلي... ألم ينقل كفالتي إليك؟ تبرأ من مسؤوليتي... انتهينا". وكم ألمت لألمها وتجرعت مرارتها. عقبت: "الوصاية التي أسندها إلي جزئية ومؤقتة. لا تخشي... ستعودين إلى كنفه ورعايته فور مجيئه". ولكن رغد أومأت برأسها عدم التصديق وبأسى قفلت: "بلى... ولكن... هل أنا سيء لهذا الحد؟؟" هنا حملقت بي وكأنها للتو تدرك أنني سامر خطيبها السابق والذي يحبها كثيرا... تبدلت سحنة وجهها وقالت بصوت كئيب: "أنت... أعز إنسان على قلبي... سامحني..." وكانت تقول بمرارة وندم... وقد تكون اللحظة الأولى التي تكتشف فيها رغد كم قست علي وجرحتني وإلى أي عمق طعنت قلبي... تابعت رغد: "ليته لم يظهر في حياتي من جديد... ليتني لم أقترب منه... كم أنا حمقاء... حمقاء وغبية وواهمة... أتعلق بالأوهام... والخيالات المستحيلة... وواقعي... فتاة يتيمة وحيدة بائسة معدمة..." وضربت بعكازها جذع الشجرة وتابعت: "ومعاقة وعاجزة وعالة على الآخرين". قلت معترضا: كفى يا رغد... لا تصفي نفسك بهذا وأنت العزيزة الغالية وكلنا رهن إشارتك". لكنها واصلت بكآبة: "ما الذي كنت أتوقعه لنفسي؟؟ البلهاء... ما الذي كان سيجعله يختارني؟؟ ما الذي لدي ويستحق العودة من أجله؟؟ ماذا أملك أنا ليعجبه؟؟ أنا لم أثر لديه إلا الإزعاج والقلق والمشاكل..." وأضافت: "وبعد كل هذا... تأتي خالتي وعائلتها ويهينونه في بيتهم وعلى مرأى ومسمع مني... كيف أنتظر منه أن يعود من أجلي؟؟ يا لي من حمقاء... غبية". قلت: "هوني عليك أرجوك... لم كل هذا؟؟ بالله عليك... إن هي إلا فترة مؤقتة ويعود ونصلح الشروخ الحاصلة بين الجميع.. ليس شقيقي من النوع الذي يهرب من المسؤوليات والشدائد بل هو أهل لها". فقالت منفعلة: "إذن لماذا لا يرد على اتصالاتي؟؟ لماذا قاطعني؟؟" أجبت محاولا تحسين الموقف وتبريره: "تعرفين... إنه غاضب ولا يحسن المرء التصرف في ثورة الغضب. عندما يهدأ سيتصل بك". فقالت: "ما ذنبي أنا؟؟... لماذا يشملني في غضبه ومقاطعته؟" قلت: "أعذريه يا رغد... ربما كانت خالتك بالغة القسوة عليه". قالت: "كلهم قساة... وليد أشرف وأرقى منهم جميعا... سوف لن أغفر لهم إهانتهم له... وإذا لم يعد ويأخذني معه فسوف لن أبقى في هذا المنزل... وسأعود إلى بيتي المحروق وأدفن نفسي تحت أنقابه". يتضح لكم مدى الاكتئاب الذي ألم برغد جراء سفر وليد... لم أفلح يومها في إقناعها بالذهاب إلى المستشفى وحالما عدت إلى شقتي هاتفت شقيقي وأبلغته عن هذا فوبخني وألقى بالمسؤولية علي وقال لي بالحرف الواحد: "أنت المسؤول عنها الآن ويجب أن تتصرف ولا تدع عنادها يتغلب عليك. أرحني من همها بضعة أسابيع لا أكثر فأنا قرحتي تكاد تمزق أحشائي". وفهمت من كلامه بأن وضعه الصحي متدهو وقلقت كثيرا... وربما يكون الطبيب هو من نصحه بالسفر والاستجمام بعيدا عن المشاكل والمسؤوليات من أجل صحته... خصوصا وأنني لاحظت إكثاره من تناول الأدوية خلال فترة مكوثه في شقتي... واهذا تحاشيت في المكالمات التالية وقدر الإمكان إبلاغه بالتفاصيل المزعجة عن وضع رغد وادعيت بأنها في تحسن بينما هي عكس ذلك... إلى أن حل يوم احتد الجدال فيه بين رغد وخالتها واتصلت بي هي بنفسها وطلبت مني أخذها إلى المستشفى. لم يكن هدفها هو المستشفى بل الابتعاد عن خالتها... زرنا الطبيب وعاينها واطلع على تقاريرها وأجرى لها بعض الفحوصات ثم أخبرنا بأنه لا يزال أمامها أسابيع أخرى قبل أن يمكنها الاستغناء عن الجبيرة والعكاز... وهذا خبر لم يزد رغد إلا كآبة ما كان أغناها عنها... فانزوت على نفسها في غرفتها بقية اليوم. اتصلت بشقيقي مساءً وأعلمته بأننا زرنا الطبيب أخيرا وأخبرته بما قال, كما أوصاني مني مسبقا.. ولكنني أخفيت عنه مسألة الإحباط الشديد الذي ألم برغد وطمأنته على صحتها... وأذكر أنه يومها سألني بتشكك: "لأا تخفي عني شيئا؟؟ هل حقا تقبلت النبأ؟"
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الأربعاء فبراير 11, 2009 12:24 am | |
| فقلت له: "أسألها بنفسك لتتأكد!" قال: "سأفعل, في الوقت المناسب". والله الأعلم متى يحين الوقت المناسب حسب معادلة وليد...! ومرت أيام أخرى... والحال كما هي. وليد غائب ويتابع أخبار رغد عن بعد ويرفض التحدث معها أو أقاربها أو عن شجاره معهم... وهي في كآبة مستمرة لا تعرف حتى البسمة السطحية إلى وجهها طريقا... إلى أن طلبت مني الخالة أن أزورهم ذات مرة... "لا أفعل هذا إلا من أجل رغد... الفتاة تذبل يوما بعد يوم وأخشى أن تموت بين يدي... معاملتها ونظراتها لي كلها اتهام ونفور شديدين... وأنا لا أقوى على مواجهتها خشية أن يزداد الموقف حدة ولا أستطيع تحمل وضعها هذا... قلبي منفطر عليها ويكاد الشعور بالذنب يمزقني... أريد أن نتصالح مع وليد لأجلها وأن أفهمه أنني لم أقصد إهانته شخصيا بل توضيح حدود علاقته برغد... قل له أن يعود وإلا أنها ستموت أن بقيت على هذه الحال..." قلت وأنا أعلم كم يرفض وبشدة الحديث عن أو مع عائلة الخالة: "سأخبره عن رغبتك في محادثته حينما أتصل به". فقالت: "اتصل به الآن يا سامر رجاء ودعني أكلمه". أحرجني الطلب فأذعنت له كارها واتصلت بشقيقي وبعد تبادل التحيات أخبرته بأنني في منزل أبي حسام وأن الخالة أم حسام ترغب وبشدة في التحدث معه, وبدوره أيضا وليد أحرجني جدا حيث قال: "لا أرغب في التحدث مع أحد يا سامر.. البتة.. أرجوك أنهِ المكالمة". قلت ووجهي يحمر حرجا: "ولكن.." فقال: "آسف يا سامر سأغلق الهاتف رجاء لا تكرر هذا ثانية. اعذرني ومع السلامة". وقطع الاتصال. أبعدت الهاتف عن أذني وعيناي تطئان الأرض خجلا وأم حسام تراقبني ثم قالت: "لم يشأ التحدث معي أليس كذلك؟" قلت محرجا: "إنه.. أعني.." وطبعا أم حسام فهمت الأمر. قالت مستنكرة: "ولكن ما هذا الطبع في أخيك؟ يجب أن يكون أرحب صدرا وأوسع بالا وأرقى ذوقا من هذا". في ذات اللحظة أقبلت رغد تدخل الغرفة سائرة بعكازها وعلى وجهها أمارات القلق والفضول... لا بد أنها كانت تنتظر المكالمة بصبر نافذ... وبعد تحيتي سألت عما إذا كنا قد أفلحنا في الاتصال بوليد... فأطرقنا برأسينا... وفهمت رغد ما جرى... فطأطأت رأسها حزنا... وتراجعت للوراء... أم حسام حاولت أن تطيب خاطر رغد فقالت: "ربما لا يزال ناقما علي... سيبلغه سامر اعتذاري ويطلب الصفح بالنيابة عني... لا أظنه سيرفض اعتذاري هذه المرة". ولم تعر رغد الكلام أهمية واستدارت لتغادر يائسة... فقالت أم حسام مخاطبة إياي: "أعد الاتصال به وأخبره بأن رغد هي من يرغب بالحديث معه". والتفت إلى رغد... موقفي صار غاية في الحرج... واتصلت فلم يرد. وبقيت أنظار رغد وأم حسام تراقبان وتترقبان بأمل يائس... وضعت الهاتف أخيرا في جيبي وقلت: "ربما انشغل". وهو مبرر ندرك زيفه ثلاثتنا... أم حسام قالت: "بل ربما ينوي قطع الصلة بيننا نهائيا". فالتفتت رغد إليها وتكلمت منزعجة: "يقطع صلته بنا؟ ماذا تعنين؟؟ كيف يقطع صلته بي أنا؟؟ إنني ابنة عمه... ومكفولته... لا يجوز له.." قالت أم حسام: "كما ترين, لا يريد أن يعطينا فرصة للتصالح معه بتاتا... فبماذا تفسرين هذا؟" قالت رغد وقد علا صوتها واشتد احمرار وجهها واشتعل الغضب في عينيها: "أنت السبب ياخالتي.. أنت السبب". ولم تعقب الخالة فاستمرت رغد في الاتهام: "دفعته لأان يتركني ويرحل.. ماذا سيحل بي الآن؟" قالت أم حسام بلطف محاولة تهدئة رغد: "ستسير حياتك طبيعية بيننا والله يغنينا عنه وعن وصايته... سريع الغضب عنيف الرد..." وفي الواقع لم يكن يجدر بها قول هذا على مسامعنا وفيما رغد على أهبة الانفجار... اشتطت رغد غضبا وانتفخ وريد جبينها وهتفت بعنف: "قلت لك لا تتحدثي عن وليد هكذا.. إذا لم يكن يعني لكم أنتم شيئا فأنا لا أستغني عنه.. ولا أريد وصيا غيره.. وسألحق به أينما ذهب.. ولا أحد له الحق في توجيه حياتي غيره هو.. وليس لأنني يتيمة الأبوين ستعبثون بي كما تريدون.. وإذا تخلى عني كليا فسوف لن أبقى معكم.. سوف لن أسامحكم أبدا لأنكم أنتم السبب.. وما لم تعيدوه إلي فسأخرج بنفسي للبحث عنه.. عسى ألا أعود حية بعد خروجي". وسارت نحو الباب وغادرت ثائرة... خين الصمت بيننا أنا والخالة لبعض الوقت ثم إذا بها تقول: "جن جنونها!!" وبقيت صامتا.. فواصلت: "لم أكن أتوقع أنها.. لا تزال مولعة به لهذا الحد.. حتى بعد كل تلك السنين"ز أثارت الجملة جل اهتمامي وركزت النظر إلى عيني الخالة يعلوني التساؤل.. فقالت هي: "عندما كانت صغيرة كانت مهوسة به للغاية, حسبناه تعلق طفولي لطفلة يتيمة تبحث عن الحنان.. وكان شقيقك يدللها كثيرا معه أينما ذهب.. والتك رحمها الله كانت قلقة بهذا الشأن.. وكانت تعتقد أنهما حين يكبران قد تتطور علاقتهما... مع فلرق السن... لكن عندما غاب تلك السنين توقعنا أن تكون قد نسيته وانتهى كل شيء". ثم أضافت: "لكن يبدو أن الحنين إلى الماضي قد اجتاح كل عواطفها ولا أعرف... إن كان الآن يعني لها وليد السابق أم أن الأمر قد تخطى ذلك بكثير..." هنا وقفت شاعرا بالحرج والجرح معا... لم يكن ليخطر ببالي أن لهذا علاقة بالماضي البعيد... وقد أذهلني كلام الخالة وأرسلني إلى غياهب الأفكار... لكن... ماذا عني أنا؟؟ لا يبدو أن أحدا يكترث لمشاعري أو يقيم لها اعتبارا... يتحدثون معي عن رغد وكأنها لم تكن خطيبتي لسنين ولم أكن على وشك الزواج منها حين فقدتها فجأة... "أستأذنك للانصراف الآن". ذهبت إلى شقتي كئيبا مكسور الخاطر... مشوش الأفكار... لم يكن كلام خالتي يفارقني... ولم أستطع لا تصديقه ولا تكذيبه... كانت رغد طفلة صغيرة فكيف يمكن أن تكون قد أحبت وليد هذا النوع من الحب في ذلك الزمان؟؟ و... ماذا عن وليد؟؟ هل يعقل أن شيئا ما... كان بينهما حقا؟؟ هل يمكن أن يكون وليد... هل يمكن أن يكون هو أيضا...؟؟؟ يا للسخف... تحاشيت التفكير قدر الإمكان إلى أن اتصلت بأخي لا حقا... في البداية عاتبته على إحراجي مع أم حسام فلم يكترث.. ثم نقلت إليه تحيات رغد وأشواقها الشديدة إليه وأنا أدوس على قلبي وأتصرف كالرجل الآلي تماما... ودققت في كلامه وردوده جيدا باحثا عن أي دليل يؤدي إلى تأكيد أفكاري أو نفيها... غير أن أخي كان يتحدث ببلادة شديدة.. لم تكشف لي أي شيء... وأخيرا... داهمتني رغبة ملحة في توجيه سؤال مباشر إليه... غير أنه قال فجأة إنه يتلقى اتصالا آخر وأنهى المكالمة عاجلا... قررت بعد ذلك مواجهته في الاتصال التالي لتتضح حقائق الأمور... ولكن... وفي اليوم التالي مباشرة وفيما كنت أجلس في شقتي بكسل في عطلتي الأسبوعية رن جرس الباب وإذا بي أفاجأ بأخي يقف خلفه!!! اهتز قلبي واصفر لوني وسألت وأنا بالكاد أخرج الحروف صحيحة من فمي: :وليد!!!... مــــ... ماذا حصل؟؟" فمد وليد يده وربت على كتفي وقال والخشوع والحزن يكسوان وجهه العريض: "البقاء لله.. توفيت خالتي أم أروى بالأمس.. إنا لله وأنا إليه راجعون".
*************
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الأربعاء فبراير 11, 2009 12:27 am | |
| الحلقة السادسة والأربعون
عد إلـــــيّ
انقضت فترة العزاء وقد شاركت في التعزية مع بقية أفراد عائلة خالتي, وعندما جاء دوري ووقفت أمام الشقراء لأواسيها لم أستطع مصافحتها بسبب يدي المصابة واكتفيت بعبارة مخنوقة خرجت من فمي ببطء. والشقراء بدورها ردت بشكل عابر دون أن ترفع نظرها إلي.. لكن الحزن جليا على وجهها. السيدة ليندا كانت طيبة وقد أحسنت معاملتي وسهرت إلى جانبي في المستشفى ورعتني بكل مودة ولطف... رحمها الله... وغفر خطاياها... متى سيحين أجلي أنا أيضا؟؟... أنتظر الموت.. ليأخذني كما أخذ أحبابي... ويخرجني من شقايا الدنايا وما فيها... كنت أعرف أن وليد موجود في القسم الآخر من قاعة التعازي.. وكنت أعرف أنه أبعد ما يكون عن التفكير بي في هذه الفترة.. لكنني كنت في شوق منجرف لرؤيته ولو لدقيقة واحدة... ولو لنظرة بعيدة عاجلة... أعانق فيها عينيه ولو لآخر مرة في حياتي... ولخيبة الأمل وتحالف الأقدار ضدي, عدنا إلى المنزل دون أن ألتقي به ولا حتى صدفة.. ومرت الأيام... ونخر الشوق عظامي.. وأتلف الحنين ذهني... ولم أعد بقادرة على الانتظار يوما آخر.. كيف... وأنا أعرف أن ما يفصلني عنه هي أميال قليلة لا أكثر...؟؟ وأن هو لم يأت إلي... فسأذهب أنا إليه... فقط لألقي نظرة... "هل أنت مجنونة!؟" قالت نهلة معترضة على فكرتي وليدة اللحظة.. فقلت: "نعم مجنونة.. لكني أريد أن أراه بأي شكل يا نهلة..أكاد أختنق.. لا أحد يحس بي هنا". قالت: "تخيلي كم سيكون وضعك حرجا ومدعاة للسخرية عندما تذهبين فجأة إلى المزرعة الآن... هيا رغد.. تخلي عن هذه الفكرة السخيفة... توفيت أم زوجته قبل أيام وأنت تفكرين في هذا؟؟" قلت: "سألقي عليه التحية وأعتذر منه وأعود... حتى لو لم يرد علي... المهم أن تكتحل عيناي برؤيته... ويبرد صدري بتقديم الاعتذار..." فقالت: "ماذا سيقول عنك يا رغد؟؟ هو في محنة عظيمة وأنت تذهبين لتقديم الاعتذار! سيستحقر موقفك... ليس هذه وقته.. انتظري أسبوعين على الأقل". هتفت: "لا أقوى على الانتظار... ألا تفهمين؟؟ أنتِ لا تشعرين بالنار المضرمة في صدري..." أشاحت نهلة بوجهها عني وقالت: "لقد حذرتك... افعلي ما تشائين". وغادرت المكان... خرجت بعد ذلك إلى الحديقة...طلبا لبعض الهواء النقي... والتقيت بحسام صدفة وهو مقبل نحو المنزل... فلمعت الفكرة في بالي كمصباح قوي أعشى عيني عن رؤية ما هو أعمق من ذلك... "مرحبا حسام". حييته فرد مبتسما: "مرحبا رغد.. ماذا تفعلين هنا؟؟ تدربين رجلك على المشي؟؟" قلت وآمالي تتعلق به: "حسام.. هلا أسديت إلي معروفا؟" قال وعلى وجهه الاستغراب: "بكل سرور!" فقلت بلهفة: "أريدك أن.. أن تصطحبني في مشوار.." فسأل: "إلى أين؟" ازدردت ريقي وقلت: "إلى... مزرعة أروى". سأل متعجبا: "مزرعة أروى؟؟" "نعم.. أرجوك". ففكر قليلا ثم سأل: "لماذا؟؟" ترددت في الإجابة.. عرفت أنني لو قلت من أجل مقابلة وليد فإنه لن يوافق.. فقلت: "سأتفقد أحوالهم.. وألقي التحية". وبدا مبررا معقولا بعد عدة أيام على وفاة السيدة ليندا.. وسألني إن كنت قد أعلمت خالتي بهذا فأقنعته بأن الأمر لا يستدعي... وبعد تردد قصير وافق على اصطحابي, وخرجنا مباشرة... حين بلغنا المزرعة لم يكن وليد موجودا وأخبرنا العجوز والذي كان يجلس كعادته قرب باب المنزل بأن وليد قد ذهب في مشوار وسيعود قريبا.. ودعانا للدخول لكننا آثرنا البقاء في الخارج وانتظاره.. وذهب العجوز لاستدعاء الشقراء فعلاني التوتر.. أنا لم آت من أجلها كما أنها لا تنتظر مني زيارتها.. لكني وضعت نفسي في هذا الموقف وعلي التصرف الآن.. أبدى حسام إعجابه بالمزرعة وراح يتحدث عن انبهاره بما يرى غير أنني لم أكن مركزة السمع معه.. بل في انتظار لحظة ظهور الشقراء.. وأخيرا ظهرت... ملفوفة في السواد الحزين, كما هي حالي.. وكأن عدوى اليُتم والبؤس قد انتقلت مني إليها... وقد اعتدت في الماضي رؤيتها ملونة بشتى ألوان قوس قزح.. مثل سرب من الفراشات أو إكليل من الزهور... عندما اقتربت زممت شفتي ترددا ثم ألقيت عليها التحية وسألتها عن أحوالها.. وأنا متأكدة من أنها تدرك أنني لم أكن لأقلق على أحوالها أو أترث لها.. ولا بد أنها تدرك أن سبب حضوري هو... وليد... ساعد وجود حسام في تلطيف الجو.. وتشتيت الكآبة وصرف أذهاننا إلى الحديث عن المزرعة وشؤونها.. ذهبت الشقراء لإعداد القهوة فوجدتها فرصة للاسترخاء من عناء الموقف المصطنع.. وبقي حسام والعجوز يتحدثان أحاديث عادية... أما أنا فعيناي ظلتا ترقبان البوابة إلى أن رأيت أخيرا سيارة تقف عندها ومنها يخرج مجموعة من الرجال... يقودهم الرجل الطويل العريض.. بهي الطلعة قوي القسمات ثاقب النظرات.. مضرم ناري وحارق جفوني وسالب عقلي وشاغل تفكيري.. حبيبي الجافي.. وليد قلبي.. الأرض لم تكن أرضا والسماء لم تكن سماء... حين عانقت عيناي عينيه.. والتحمت نظراتي بنظراته.. آه.. كيف لي أن أصف لكم؟؟ لحظتها خلا الكون من كل الخلائق... سوانا... لا وجود للأرض ولا السماء... ولا النور ولا الهواء... ولا الجماد ولا الأحياء... فقط... أنا وهو... وعيون أربعة متشابكة متلاحمة... ذائبة في بحور بعضها البعض... أيما ذوبان...
وليد قلبي... آه... كم اشتقت إليك... لو لا إعاقتي... لربما... ركضت إليه بجنون وغطست في حضنه الواسع... اقترب وليد يتقدم بقية الرجال فوقفنا جميعا... ورأيت الدهشة تنبثق في وجهه وهو يحط ببصره الهابط من العلا علي وعلى حسام.. بادر حسام بإلقاء التحية فرد وليد دون أن يحاول إخفاء عجبه.. ودوى صوته في كهف أذني فتطايرت خفافيش حسي تلتقط وتحتضن ذبذبات صوته وتخبئها في أعماق الكهف... ككنز من الذهب... بعد التحيات السريعة استأذن وليد وسار مع الرجال إلى قلب المزرعة ولحق العجوز بهم... ولحقت بهم عيناي ركضا... وهوَتا متعثرتين لهفة عند مفترق الطرق... وبعد قليل عاد وليد فتسابقتا لاحتضانه بسرعة... تكاد الواحدة تفقأ الآخرى... لتنفرد بالحبيب الغائب... وتذوب في أعماق صدره... وليد كان وجهه محمرا ويعلوه الاستياء فوق التعجب.. انغمست في ترجمة تعبيرات وجهه وطلاسم عينيه... فتهت... وظللت طريقي... وفقدت أي قدرة لي على النطق والتعبير.. وقفت أشبه بشجيرة ظئيلة لا جذع لها تمد أغصانها محاولة تسلق الشجرة الضخمة الواقفة أمامها.. بكل شموخ... لاحظ حسام صمتي وتوتري فتولى الكلام: "جئنا نلقي التحية نسأل عن الأخبار". ولم يتحدث وليد.. فقال حسام متظاهرا بالمرح: "ألن تدعونا للجلوس؟" فتكلم وليد أخيرا قائلا: "أنتما بمفردكما؟" فأجاب حسام بعفوية: "نعم". وازداد الاستياء على وجه وليد... ثم قال: "منذ متى وأنتم هنا؟" فرد حسام مستغربا: "منذ دقائق.. ولكن.. هل يزعجكم حضورنا؟" قال وليد: "أنا آسف ولكن لدي ما أقوم به الآن.. إنهم في انتظاري". مشيرا إلى قلب المزرعة.. كل هذا وعيناي ملتحمتين بوجهه منذ أن وقعتا عليه أول وصوله... لكن.. ماذا يا وليد؟ ألن تتحدث معي.. وتسأل عن أحوالي..؟؟ إنك حتى لا تنظر إلي.. أنا هنا وليد هل تراني؟؟ هل تميزني؟؟ لماذا كل هذا الجفاء؟؟ أرجوك.. التفت إلي لحظة.. دع عيني تخبرانك كم اشتقت إليك.. دعهما تعاتبانك على جفاك.. أو تعتذران لأرضائك.. وليد..إنك حتى.. لم تتحسن الترحيب بنا كأي ضيوف.. انتبهت على صوت حسام يقول: "لا بأس.. نعتذر على الزيارة المفاجئة.. كانت فكرة رغد" ولذكر اسمي.. اخيرا تكرم على وليد بنظرة.. لكنها لم تكن أي نظره.. كانت حادة وساخنة جدا لسعتني وكادت تفقدني البصر.. حاولت التحدث فلم تسعفني شجاعتي المنهارة بمرآى الحبيب.. تأتأت ببعض الحروف التي لم أسمعها أنا.. التفت إلى حسام وقال: "هل نذهب؟" نذهب..؟؟ وهل أتينا؟؟ هكذا بهذه السرعة؟؟أنا لم أكد أراه.. انتظر.. أنا لدي عشرات بل الآلاف المشاعر لأعبر عنها.. دعني استرد أنفاسي.. دع لساني يسترجع قدرته على النطق.. دعني واقفة قرب وليد أستمد دعمه وأستشعر حنلنه! قال وليد وهو يشيح بوجهه حنانه! قال وليد وهو يشيح بوجهه عني: "سأرافقكما" فقال حسام معتقدا وليد يقصد مرافقتنا إلى السيارة المركونة في الخارج: "لا تكلف نفسك.. نعرف الطرق.. شكرا" فازداد احمرار وجه وليد وقال: "أعني إلى المنزل" فضربنا الاستغراب.. ونظرنا أنا وحسام إلى بعضنا البعض!! لماذا يريد وليد مرافقتنا إلى المنزل؟؟ هل هذا يعني.. سيأتي معنا؟؟ هل حقا سيأتي معنا؟؟ "هيا فأنا لا أريد التأخر على ضيوفي" قال هذا وسار يسبقنا نحو سيارة حسام.. وسرنا خلفه كتلميذين مطيعين.. أبلهين.. حتى ركبنا السيارة والتي بالكاد حشر وليد جسده فيها.. وانطلقنا عائدين إلى منزل خالتي..
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الأربعاء فبراير 11, 2009 12:35 am | |
| كنت أجلس خلف حسام,إذ إن وليد كان قد دفع بمقعده إلى الوراء لأقصى حد ليمد رجليه.. فسيارة حسام صغيرة جدا.. الصمت خيم علينا طوال الطريق.. الذي انقضى وأنا أحاول تهدئة نبضات قلبي وإعادتها إلى معدل سرعتها الطبيعي... ولم يقطع الصمت غير جمل قصيرة عابرة من طرف حسام.. وجملة(خفف السرعة) من لسان وليد.. فقاد حسام السيارة بسرعة عادية على عكس عادته...وطال المشوار.. خصزصا وأننا اضطررنا للتوقف مرتين عند مركزي تفتيش بوليسي... وفي كلا المرتين يطلب رجال الشرطة رخصة القيادة والبطاقات الشخصية.. ولحسن الحظ أو ربما لحسن العادة كان وليد يحمل صورة بطاقته العائلية والتي تشمل هويتي... لذلك قال وليد بعدما قادرنا نقطة التفتيش الثانية مخاطبا حسام: "ماذا لو لم أرافقكما؟" فقال حسام: "لم نواجه أي نقاط في طريق الحضور". عندما وصلنا إلى المنزل هبط وليد من السيارة أولا وتبعناه... قال حسام: "تفضل". داعيا إياه للدخول إلى المنزل من باب اللياقة... غير أن وليد قال: "شكرا, لدي ضيوف كما تعلم سأعود إليهم". فقال حسام: "هل.. أوصلك؟" فأجاب وليد: "سأتدبر أمري". ثم فجأة أدار وجهه نحوي وقال: "في المرة القادمة إذا أردت الذهاب إلى أي مكان فاطلبي ذلك من سامر فقط.. مفهوم؟" هل هو يخاطبيني؟؟ هل يعنيني أنا؟؟ هل ينظر إلي أنا؟؟ كان حسام يوشك على فتح بوابة المنزل ولما سمع هذا استدار ونظر إلى وليد وقال مستاء: "وهل ستظن أنني سأختطفها مثلا؟ إنها ابنة خالتي كما هي ابنة عمك". وبدا أن الجملة قد استفزت وليد فقال غاضبا: "أنا لم أتحدث معك.. هذا أولا.., أما ثانيا فلا تقارن نفسك بي.. إنني الوصي هنا ومن يقرر مع من أسمح أو لا أسمح لابنة عمي بركوب السيارة". شعر حسام بالإهانة فقال حانقا: "هكذا..؟؟.. من تظن نفسك؟" فرد وليد: "لا أظن نفسي بل أنا على يقين ممن أكون... وإذا سمحت.. افتح الباب ودع الفتاة تدخل عوضا عن الوقوف في الشارع هكذا". هنا... اجتاحتني شجاعة مفاجئة فتدخلت ناطقة أخيرا: "وليد أنا..." وقاطعني وليد فجأة قائلا بفظاظة: "ادخلي". نظرت إليه شاعرة بالانكسار... وليد... كيف تخاطبني هكذا؟؟ وليد هل نسيت من أكون؟؟ لماذا تغيرت إلى هذه الدرجة؟؟ دعني أتحدث.. وأصررت على النطق... أريد أن أفهم وليد لماذا ذهبنا إلى المزرعة وما مقدار لهفتي إليه... وحاجتي للتحدث معه... "وليد..." نطقت باسمه فإذا به يقاطعني مكررا بفظاظة أشد وهو يعض على أسنانه ويبث الشرر من عينيه: "قلت إلى الداخل... هيا". انكمشت على نفسي... تقلصت حتى أوشكت على الاختفاء... من رد وليد... حسام فتح الباب وقال بصوت خافت: "ادخلي يا رغد". فدخلت خطوة, وتوقفت عند فتحة الباب وانقلبت على عقبي ورأيت وليد يولي ظهره إلينا ويسير مبتعدا... اقترب حسام ووقف أمامي مباشرة حائلا دون رؤية وليد... فتراجعت للوراء ودخلنا إلى الداخل... وأغلق هو البوابة وسار مبتعدا وبقيت عيناي معلقتين على بوابة السور أحملق فيها... نظرت إليه فرأى تعبيرات الأسى المريرة على وجهي.. فأقبل نحوي وأظهر التعاطف قال: "إنه... لا يكترث بك يا رغد". نظرت إليه والعبرة تكاد تختفي... فقال: "لا أعرف ما الذي يعجبك في رجل كهذا؟ إنك تضيعين مشاعرك هباء". صعقت.. وأخذتني الدهشة من كلام حسام.. الذي واصل وهو يرى سحنتي تتغير: "أتظنين أنني لا أعرف أنك تحبينه؟ أنا أعرف يا رغد". وتضاعف ذهولي وحملقت به غير مصدقة لما أسمع... قال حسام: "سارة لفتت انتباهي لهذا ذات مرة.. والآن تصرفاتك كلها فاضحة.." مازلت أحملق فيه بذهول... عاجزة عن التعليق... تابع هو: "لكنني لن أقف مكتوف اليدين يا رغد.. سبق وأن وافقت على الزواج مني.. وهي الآن مسألة وقت.. إياك والتلاعب معي... إياك..." وأشار إلي بسبابته مهددا... ثم استدار وواصل طريقه داخلا إلى المنزل...
************************* أما وليد فعندما جاء لزيارتي في شقتي... أخبرني عما حصل ووبخني بشدة وأثار معي شجارا حاميا.. "لقد كلفتك أنت وأعني أنت... بأن تهتم بشؤونها في غيابي.. فلماذا تدعها تخرج مع حسام في سيارته مهما كان المشوار؟؟" قلت مستنكرا: "يا وليد! أنت تتكلم عن حسام وكأنه شخص غريب... إنه ابن خالتها وثل أخيها ومثلي ومثلك تماما ولطالما كان يصطحبها سابقا في المشاوير إذا اقتضى الأمر.. ليس لها ملجأ غيره وغيرنا ولذلك هي تعتمد عليه..." غضب أخي كثيرا وقال صارخا: "كان ذلك في السابق.. في عهد أبي رحمه الله.. لكن أنا لا أسمح لها بالخروج معه.. وفي عهدي أنا يجب عليها أن تلتزم بما أقوله أنا". قلت مستاء وساخرا: "لكنك لم توصيني بألا أسمح لها بالخروج معه.. ولم تذكر أسماء المسموح لهم في توكيلك السامي ذاك". فاشتط أخي غضبا وضرب الجدار بيده فجاءت ضربته على لوحة معلقة وأوشك أن يكسرها... وللعلم فإن لشقيقي هذا قبضة فتاكة جربتها أكثر من مرة.. ولا تزال أمامي تجارب أخرى... كما سترون.... أثار غضبه شيئا من الروع في نفسي وإذا به يزمجر: "أنا لا أمزح هنا يا سامر... أحدثك بمنتهى الجدية والمسؤولية... فلا تستفزني..." فقلت مدافعا: "وما أداني أنا أن هذا سيغضبك وإلى هذه الحد؟ لماذا لم تنبهني مسبقا؟" فقال: "هي تعرف هذا جيدا وسبق وأن حذرتها.. مرارا وتكرارا... لكنها تضرب بكلامي عرض الحائط.. قل لها... أن تتوقف عن عنادها هذا وإلا..." وهو يشير بسبابته نحوي مهددا... فهتفت معترضا: "وإلا ماذا يا وليد؟؟" ولم يرد وكأنه لا يجرؤ على النطق بما يدور بخلده من شدة فظاظته... فأعدت السؤال: "وإلا ماذا بعد؟ لماذا كل هذه القسوة والصرامة في معاملتها؟" رد أخي بحدة: "أعاملها كيفما يحلو لي". فاعترضت مستنكرا: "كلا... كلا يا أخي ليس كما يحلو لك... أنت قاس وفظ للغاية... وتصب جام غضبك على من لا ذنب لهم في الإساءة إليك... رغد كانت مستميتة لأجل لقائك أو التحدث معك والاعتذار لك على خطأ لم تقترفه هي من أجل تطييب خاطرك, وأنت عاملتها بمنتهى الغلظة والرعونة... معاملة لا يحتملها رجل شديد فكيف بفتاة رقيقة؟؟" هتف وليد بغضب: "سامر!" فقلت مسترسلا: "نعم يا وليد.. أزل الغشاوة عن عينيك... وميز مع من تتعامل... إنها فتاة حساسة ولا يليق بك أن تعاملها كهذا". وعوضا عن أن تثير كلماتي الندم وتأنيب الضمير في نفس شقيقي, إذا بي أراه ينظر إلي والشرر يتطاير من عينيه ويقول: "وهل ستعلمني كيف أعامل فتاتي؟" أذهلتني كلمة وليد هذه وحملقت به متفحصا... وقفزت كلمات خالتي أم حسام إلى رأسي... قلت: "فتاتك؟؟" ورأيت تعبيرات وجه أخي تتغير... وكأنه انتبه للتو للكلمة... فقال محاولا تغيير أو تصحيح المعنى: "الفتاة التي تحت وصايتي أنا". وأضاف ليصرف الانتباه عن الكلمة: "وما دامت تحت وصايتي أنا فأنا من يحدد ويقرر كل شيء يخصها... ولا أسمح لأحد بالتدخل... فهل هذا واضح؟؟" حيرني أمر أخي... ولم أعرف بم أفسر موقفه من رغد... أهو الحرص عليها أم التسلط عليها أم شيء آخر..؟ قلت: "حسنا... إنما أريد أن ألتفت انتباهك لما قد غضبك قد أغفلك عنه... أنت لا تدرك حجم المعاناة التي تخلفها مواقفك القاسية في نفسيتها... إنها من البشر وليست قطعة من الحديد... كل تلك الفترة وهي تحاول الاتصال بك لتقدم لك كلمة اعتذار عن شيء لم تقترفه لترضيك أنت بصفتك ولي أمرها وفي مقام الأب وأكثر لديها... وأنت لاه في الخارج لا تكترث لشيء.. وبعد هذا تلومها إن هي حضرت بحثا عنك في المزرعة؟؟ على الأقل.. استمع لما تود قوله ثم افعل ما تشاء... أي قلب تملك أنت؟" فجأة أمسك وليد بقميصي وأخذ يهزني بقوة ويهتف: "أنا لا أملك قلبا.. أنتم قتلتموه.. إنكم السبب.. كلكم السبب.." ودفع بي إلى الجدار... ثم جعل يصرخ في مهددا: "إياك... ثم إياك... ثم إياك يا سامر... والسماح لهذا بالتكرر... هل فهمت؟" وأبعد يده عني ثم سار مغادرا الشقة... مخلفا بصمات جمله الأخيرة مطبوعة على طبلتي أذني...
****************************
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الأربعاء فبراير 11, 2009 12:40 am | |
| في اليوم التالي حضر سامر لزيارتي وأخبرني عن زيارة وليد له البارحة وعن شجاره معه بسبب خروجي مع حسام وبين لي مدى الغضب الذي اكتسحه والتهديد الذي رماه به, وطلب مني: "لا تكرري ذلك ثانية.. إذ أن وليد على ما يبدو ولا يولي حسام ثقة كبيرة, أو لنقل إنه مستاء منه بسبب الشجار العائلي..." وأنا أعرف بحقيقة الأمر وقلت تلقائيا: "إنه لا يطيقه منذ زمن". فظهر التعجب على سامر وسأل: "أحقا؟؟ لكن لماذا؟" فانتبهت إلى أنني تسرعت في جملتي السابقة... وحاولت تدارك الأمر فقلت: "لأنه... لأنه نعته بألفاظ سيئة... ذكرت لك ذلك.." وطبعا لم أكن لأشير إلى موضوع عرض حسام الزواج مني ورفض وليد له والشحنات التي نشأت بينهما منذ شهور لهذا السبب... شي من الغموض اكتسى وجه سامر وسألني: "أهناك ما لا أعرفه يا رغد؟؟" فقلت متظاهرة الاستغراب: "عن ماذا؟؟" فقال: "عن حسام... عن وليد... أو عنك؟؟" فقلت مستمرة في تظاهري: "لم أفهم قصدك!" فقال: "لأن وليد كان غاضبا بمقدار فوق المعقول... لسبب تافه". فقلت مؤكدة: "كما قلت. حسام شتم وليد زعيره بأنه خريج سجون وأهانه بقسوة ولهذا... وليد لا يطيقه". وأقنع كلامي هذا سامر وأثناه عن محاولة التعمق أكثر... قال أخيرا: "على أية حال يا رغد.. إذا أردت أي شيء فاطلبيه مني أنا فقط". فنظرت إليه وفي عيني مزيج من الامتنان والأسى, والندم... وقلت: "شكرا... ولا أظنني سأحتاج شيئا بعد الآن.." وطأطأت رأسي بأسى... فبعد وليد... لا شيء يستحق الاهتمام... لما أحس سامر المرارة في نبرة صوتي حدثني بلطف بالغ وقال: "تشجعي يا رغد... توفيت والدة زوجته قبل أيام... هذا سبب أكبر من كاف لتبدل أوضاعه.." لا تحاول مواساتي يا سامر... ما بي أبلغ من حدة المواساة... "سأفعل... ما يطلبه مني... بلغه هذا... سألتزم بكل ما يريد... فقط... ليصفح عني..." هل... هل تحبينه... إلى هذا الحد؟؟" داهمني سامر بسؤاله... أومأت برأسي... نظرت إلى الفراغ... في إجابة أبلغ من الكلام...
*********************************
حدثت مجموعة من أعمال الشغب في المدينة واضطرب الأمن فيها. وهي منذ شهدت مأساة القصف في عيد الحج الماضي لم تزل عرضة لحوادث صغيرة متفرقة تفقد أهاليها الأمان للعيش فيها. الكثير من سكانها هجروها واتخذت جماعات من المتمردين المنازل المهجورة بؤرا لإدارة عمليات الشغب. ومؤخرا حظر التجول في الشوارع بعد منتصف الليل وتكثف دوريات الشرطة وتضاعف عدد نقاط التفتيش والمراقبة... كنت قد مررت أثناء سفري بإحدى مدن المنطقة... ورأيت حالة التخريب الفظيعة التي ألمت بها مؤخرا بعد أعمال شغب مصحوبة بهجوم عدائي تعرضت لها... وأوضاع البلد بشكل عام آخذة في التدهور السريع... والآن.. أنا جالس في غرفة المعيشة في المنزل الريفي في المزرعة أتابع الأخبار على التلفاز وأشاهد مناظر بشعة لجثث قتلى من المتمردين الذين تمت مداهمتهم وإبادتهم.. ولقطات أخرى لمجموعة من أعضاء منظمة سرية نفذت عملية اغتيال لأحد كبار المسئولين, وتم الكشف عن بعض أعضائها وهاهم يقادون بإذلال إلى مأواهم الأخير... السجن.. مناظر تثير الرهبة في قلبي.. خصوصا بعد تجربتي المريرة خلف القضبان.. لا زال جسدي يقشعر منها وقلبي يضطرب... ومعدتي تشتعل نارا على ذكراها.. شربت آخر رشفة من الحليب البارد الذي أدمنت على شربه في الأونة الأخيرة كلما اشتد ألم معدتي.. وابتلعت معها القرص المخفف للحموضة الذي صار عنصرا رئيسيا من عناصر وجباتي اليومية.. وتنفست باسترخاء.. خضت مؤخرا لعلاج جديد لقرحة معدتي ولكنه لم ينجح... وأوجاعها تراودني من حين لآخر وتقض مضجعي.. فيما أنا مغمض عيني باسترخاء.. سمعت صوتا يقترب من الباب... ففتحت عيني والتفت إلى مصدره فإذا بي أرى أروى تدخل الغرفة... أنا وهي لم نجتمع اجتماعا خاصا ولم نتحدث إلا أحاديث عادية خلال الأيام الماضية... التي تلت رحيل الخالة ليندا رحمها الله. وأجواء الكآبة كانت تسيطر بشكل مريع على المزرعة وعلى المنزل وقد غابت سيدته بلا عودة ترجى... وكان لقائي السابق معها قبل السفر هو أبشع اللقاءات وأفضعها...قالت أروى: "ماذا تشاهد؟" فقلت: "نشرة الأخبار.." واسترسلت: "الوضع يزداد اضطرابا في المدينة الصناعية". وجلست أروى على أحد المقاعد المجاورة تتابع الأنباء معي... خيم السكون علينا وأصغينا إلى النشرة باهتمام.. على الأقل بالنسبة لي... وبعد انتهائها.. تركت التلفاز مشغلا وقمت بقصد الخروج.. عندما اقتربت من الباب اختفى صوت التلفاز فألقيت نظرة للوراء ورأيت أروى وقد أوقفته ثم سارت باتجاهي.. "وليد". نادتني فاستدرت إليها كليا.. شعرت بأنها ترغب في التحدث معي وبدا أن قواها تخونها.. الحديث عن أي شيء لن يكون لائقا الآن وقبر الخالة رحمها الله لم يبرد بعد. صمِتُ منتظرا ما ستقوله.. ولما طال ترددها قلت: "خيرا إن شاء الله؟" وإذا بالدموع تقفز من عينيها فتنكس رأسها وتخفيه خلف يدها.. شعرت بالأسى عليها ومددت يدي وربت على كتفها بحنان.. وما كان منها إلا أن أسندت رأسها إلى صدري وبكت بحرقة.. قلت مواسيا: "تشجعي يا أروى.. كلنا للموت والبقاء لله الواحد الأحد". فقالت بانهيار: "لا أتخيل حياتي بدونها.. إنني السبب في موتها.. أنا السبب". وكانت الخالة قد توفيت بعد عملية جراحية أجريت لها في القلب إثر تعرضها لنوبة جديدة. فقلت: "كيف تقولين ذلك؟" فقالت: "نعم.. فهي مرضت بعد أن.. أخبرتها عن قرار انفصالنا.. لو لم أخبرها بذلك.. ماتت". عضضت على أسناني متأثرا بهذا الكلام.. ثم قلت: "الموت بيد الله وحده.. ولكل أجله المقدر.. لندعو لها الرحمة والمغفرة". قالت أروى: "رحمك الله يا أمي.. كنت نعم الأمهات وخير النساء.. عشت حياة مريرة وحيدة بعد سجن أبي.. ورحيله.. شقيت في هذه الدنيا وعملت دون راحة أعمالا منهكة يعجز عنها الرجال.. وحين ابتسمت لنا الدنيا.. حين تحسنت أوضاعنا.. آه يا أمي.. أبعدتك الأقدار قبل أن تهنئي.. ما كان أسرع رحيلك يا أماه.." نحيبها الشجي هيج في ذاكرتي ذكرى والدتي رحمها الله.. إنه ما من مصاب أفجع على قلب البشر من فقد الأحبة.. على الأقل.. أنتِ عشت مع والدتك ولازمتها منذ ولادتك وحتى آخر لحظة في حياتها.. أما أنا.. فقد حرمت من والديّ الحبيبين ثمان سنين وأنا محبوس في أبشع مكان رأيته على الإطلاق.. وهما حيّان يرزقان.. وما إن خرجت إليهما.. حتى داهمهما الموت وأخذهما معا.. وبأشنع طريقة.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. وفيما نحن هكذا أقبل العم إلياس.. ألقى علينا نظرة ثم قال مخاطبا إيّاي: "حضر الضيوف يا بني". فقلت: "حسنا.. أنا قادم". وهم مجموعة من تجار الفواكه كنت سأعقد معهم اتفاق عمل. انصرف العم إلياس.. فالتفت إلى أروى وقلت: "يريدون شراء محصول العنب والليمون بالكامل.. سنتخلص من عناء بيعه في الأسواق وقد عرضوا سعرا جيدا.. ما رأيك؟" نظرت أروى إلي نظرة لا مبالاة ثم قالت: "افعلوا ما تشاءون". قلت: "سنكتب وثيقة رسمية وسنحتاج لتوقيعك بصفتك مالكة المزرعة.. سأجلب لك العقد لمراجعته وتوقيعه". قالت: "أرجوك.. أعفني من هذه الأمور فأنا لست في وضع يسمح بالتفكير في أي شيء". وأنا أعلم بهذا ولكن.. "لكن.. العمل يجب أن يستمر.. إن أهملنا المحصول فسنخسره". قالت: "افعلوا ما ترونه مناسبا". وكان هناك في خاطري شيء أود ذكره وأعاق الظرف الحالي لساني.. لكنني هذه اللحظة وجدتها فرصة ملائمة قليلا فقلت: "و... كذلك بالنسبة للمصنع.. هناك أمور معلقة في انتظاري.." نظرت أروى إلي نظرة جادة.. فقلت متابعا: "علي العودة إلى العمل عاجلا.. لا يجب ترك المصنع أطول من هذه المدة". فقالت وهي تضغط على صدغيها بيدها اليسرى: "افعل ما تريد.. أنا باقية مع ذكرى أمي ورائحتها العابقة في جو المنزل.." عنجما نقلت نبأ وفاة نديم رحمه الله إلى عائلته في العام الماضي.. أتذكر أن أروى أبدت صمودا غريبا في وجه الخبر المفجع.. أما الآن.. فهي منهارة لوفاة والدتها.. لطالما كنت أظنها أكثر صلابة في مواجهة المصائب.. وأرى فيها قوة وقدرة كبيرة على التحمل.. ووضعها هذا جعلني أرجىء إلى أجل غير مسمى موضوعنا السابق.. بشأن مستقبل علاقتنا معا.. فلأترك عني هم أروى... وهم رغد... وأتفرغ لهم العمل فهو أرأف بي منهما... وبعد لقائي بتجار الفواكه وفيما كنت واقفا في المزرعة أرتب الوثائق فوجئت بضيف غير متوقع يدخل المزرعة! لقد كان حسام... حياني فنظرت إلى ما حوله, لأستوثق من عدم حضور رغد برفقته... لكنه كان منفردا... فرددت التحية وكلي حيرة من سبب حضوره... ثم قدته إلى المقاعد المجاورة وجلسنا متواجهين... تفصلنا طاولة صغيرة... فأمكنه قراءة تساؤلاتي مباشرة... قال موضحا: "أعرف أنك لم تتوقع زيارتي.. لكنني أود التحدث معك في أمر مهم وإن لم يكن الظرف الحالي مناسبا". أقلقني كلامه فسألت باهتمام: "ماذا هناك؟؟" فتأتأ قليلا... ثم أجاب: "إنه.. ليس موضوعا جديدا.. ولكن... أود تذكيرك به وتعجيل تنفيذه". وبسرعة تفتح في رأسي موضوع أظن أنه يقصده... قلت: "هات من الوسط ولا داع للمقدمات.. أي موضوع تعني".
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الأربعاء فبراير 11, 2009 12:45 am | |
| اضطرب حسام وتغير لونه.. ثم قال: "مو... موضوعي أنا ورغد". تمالكت نفسي لئلا أنفجر فجأة في وجه الضيف في هذه اللحظة وهذا المكان.. ثم قلت متظاهرا عدم الفهم: "موضوعك أنت ورغد؟؟" نظر إلي حسام وقال وهو يزدرد ريقه: "أعني موضوع.. زواجنا". احتقنت الدماء في وجهي وتورمت عيناي غضبا.. وبالتأكيد لاحظ حسام ذلك لأن بعض الخوف اعترى تقاسيم وجهه.. قلت وأنا أضغطط على نفسي كي لا أثور بركانا: "أي زواج؟؟" تردد ثم قال: "هل نسيت؟؟ لقد.. سبق وأن عرضنا الأمر عليك.. أنت تعرف أنني.. أنني أرغب في الزواج من رغد". لم أستطع تمالك نفسي أكثر.. هببت واقفا باندفاع كان من القوة بحيث جعل الكرسي ينقلب من خلفي ويرتطم بالأرض.. وقف حسام بدوره واجلا.. قلت: "هل فقدت صوابك؟ ألا ترى في أي ظرف نحن؟؟" قال حسام معتذرا ومدافعا: "لا أقصد هذا أبدا.. لسنا نريد ارتباطا شكليا علنيا.. كل ما نريده هو عقد قران شرعي حتى.." صرخت غاضبا مقاطعا: "حتى ماذا؟؟" ألجم لسان حسام فكررت بعصبية: "حتى ماذا... أكمل؟؟" قال باضطراب: "حتى نستقر.. أنا ورغد.. بما أنها تقيم عندنا وبما أنها موافقة على الزواج مني.." ضربت على الطاولة بعصبية وقلت: "ومن قال أنها موافقة على هذا؟؟" أجاب: "هي.. أعربت عن قبولها واستعدادها منذ زمن". نفثت ما في صدري من نيران ملتهبة... وضربت الطاولة مجددا بقوة أكبر وقلت: "ومن قال لك... إن الأمر متوقف على قبولها هي؟؟" قال حسام متراجعا: "بالطبع أعني بعد موافقتك أنت...فأنت ولي أمرها". فقلت بغضب: "نعم.. أنا ولي أمرها.. وأنا لا أوافق على هذا". صمت حسام برهة وسأل بعدها: "لماذا؟؟" فزمجرت: "لا تسأل لماذا... أنا الوصي وأفعل ما أريد". تغيرت سحنة حسام من الرجاء إلى النقمة وقال مهاجما: "لكن.. هذا لا يعطيك الحق في التحكم برغد... ما دامت موافقة". استفزتني الجملة فصرخت منذرا: "حسام!!" وحسام أطلق العنان لثورته وقال: "أي نوع من الأوصياء أنت؟؟ ولماذا هذا العناد؟" صرخت مجددا: "حسام... يكفي.." لكنه تابع بعصبيته: "أخبرني ماهي حججك؟ إذا كان بشأن الدراسة فنحن لن نتزوج الآن وإنما بعد التخرج ولكنني أريد أن أرتبط بها رسميا وأريح مشاعري وقلبي". انفجرت... ثرت... انقضضت على كتفيه فجأة وصرخت بقسوة: "أي مشاعر وأي قلب أيها الــــــ.." حسام حاول إبعاد يدي عنه وهو يقول: "إنني أحبها ولن أسمح لك بالوقوف في طريقي". وبانفلات تام.. سددت لكمة إلى وجهه ثم دفعت به بعيدا... وأنا أصرخ: "أرني ماذا ستفعل لإزاحتي أيها العاشق المعتوه". كانت ضربتي موجعة جدا... أمسك حسام بفكه متألما وترنح قليلا... ثم صرخ: "متوحش وستظل متوحش... يا خريج السجون". وأوشكت أن أنفلت أكثر وأنقض عليه وأوسعه ضربا... غير أن العم إلياس ظهر فجأة ورأى الاضطراب الحاصل بيننا فتساءل: "ما الأمر؟؟" حسام سار إلى الخلف مبتعدا وهو يقول: "لا ترحم ولا تدع الرحمة تهبط من السماء؟؟... لكنني لن أسمح لك بالتحكم بهذا وإن لزم الأمر سألجأ للقضاء وأخلصها من سطوتك نهائيا... أسمعت؟" صرخت مهددا: "أغرب عن وجهي هذه الساعة قبل أن تندم... انصرف فورا..." قال: "سأذهب.. لكن سترى ما سأفعل.. سنتزوج رغما عن أنفك وقبضتك وجبروتك.." هممت بالانقضاض به فأقبل العم إلياس وحال دون إمساكي به.. واحتراما للرجل العجوز وللمكان الذي نحن فيه.. تركته يفلت من قبضتي لكنني هددته: "ابتعد عنها نهائيا... نهائيا... ماذا وإلا.. فأقسم برب السماء.. أنني سأمحيك من على هذا الكوكب... وقبل أن تصل إلى ما تصبو إليه نفسك.. سيتعين عليك أن تدوس على قبري أولا.. ما من قوة في الأرض ستجبرني على تحقيق هدفك... مطلقا... أيها المراهق الأبله". وبعد أن غادر حسام سأني العم عما حصل فاعتذرت عن الإجابة وخرجت من المزرعة غاضبا أبحث عن شيء أنفث فيه غضبي بعيدا عن الأنظار...
********************************** | |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الجمعة فبراير 20, 2009 5:43 pm | |
|
"ماذا تقولين!!" ارتسمت الدهشة على وجهي حين أخبرتني نهلة بأن حسام ذهب شخصيا إلى وليد عصرا وفتح موضوع زواجنا أمامه.. وأن وليد رفض الموضوع ولكم حسام بعنف على وجهه.. قالت: "هذا ما أخبرني به.. وهناك كدمة مريعة على وجهه وتورم فظيع!" قلت: "يا إلهي! ما الذي دفعه إلى هذا الجنون؟ يذهب إليه بنفسه وبمفرده وفي هذه الفترة؟؟ هل فقد صوابه؟؟" قالت نهلة: "يحبك يا رغد ولا يطيق صبرا.. وأراد أغتنام فرصة تواجد ابن عمك في المنطقة... ولو لم يكن سامر خطيبك السابق لكان طلب الأمر منه... والآن وصيك الرسمي يهدده بألا يعود لطرح الأمر ثانية وإلا محاه من الوجود... تهديد صريح بالقتل وأمام أحد الشهود". قلت حانقة ومهاجمة: "ماذا تعنين؟؟" فقالت نهلة: "أنت أدرى". فازداد غضبي وخاطبتها بحدة: "لا أسمح لك... ابن عمي ليس سفاحا... وإذا كان قد ارتكب جريمة في السابق فإنه..." وانتبهت لكلامي وأخرست فمي... فقالت نهلة متحدية: "فإنه ماذا؟؟" ولم أجرؤ على الإجابة... فنظرت إلي نهلة بجدية وقالت: "فإنه قد يفعلها ثانية". زمجرت: "توقفي... أنت لا تعرفين شيئا... كلكم ظالمون.... اتركوا وليد وشأنه وإياكم وإهانته ثانية... لأنتم تهينونني أنا وتجرحونني أنا... ألا تحسون بذلك؟؟" وتراجعت نهلة عن موقفها لما رأت عصبيتي.... وقالت: "حسنا يا رغد... ولكن اهدئي". فواصلت: "كيف أهدأ وأنتم كلما جيء بذكر وليد نعتموه بألفاظ قاسية؟ رأفة به وبي... هذا كثير... كثير..." وفيما أنا في غمرة انفعالي طرق الباب ودخلت سارة تقول مخاطبة إياي: "ابن عمك هنا ويريدك". قفزت واقفة وقفز قلبي معي... ودارت بي الأفكار وأرسلتني إلى البعيد... فقلت بهلع: "وليد؟؟" فردت سارة وهي تحرك رأسها حركة طفولية: "لا! بل سامر". وسرعان ما أصبت بخيبة أمل... إلى أين ذهبت أفكارك يا رغد؟؟ يا لك من مسكينة واهمة! طبعا سيكون سامر... ألا زلت تعتقدين بأن وليد سيعود إليك ذات يوم...؟؟ كان الوقت ليلا... وليس من عادة سامر زيارتي في الليل ودون سابق موعد... إلا لأمور طارئة أة ضرورية... ارتديت حجابي وعباءتي وذهبت لملاقاته في غرفة المجلس كالعادة... وهناك من أول نظرة ألقيتها عليه لاحظت أن هناك ما يقلقه... وعرفت أن للزيارة سبب قاهرا... بعد التحية والسؤال عن الأحوال... سألته: "ماذا هناك؟؟" وفاجأني عندما قال: "وليد يريد أن ترافقيني الآن إلى الشقة.. إنه هناك وينتظرنا.." هل سمعتم؟؟ يقول... إن وليد يريد مقابلتي... هل هذا ما قاله؟؟ هل هذا ما يفهم من كلامه؟؟ تسمرت في مكاني مأخوذة بالمفاجأة ونظرت من حولي أتأكد من أنني لا أتخيل! وليد يريد مقابلتي... أخيرا؟؟ قطع علي حبل شرودي صوت سامر وهو يقول بنبرة قلقة: "لا يبدو بمزاج جيد... لا أعرف ما الطارىء الذي يشغل باله لكنه طلب أن آخذك إلى الشقة في هذا الوقت..." عرفت... لقد فهمت... موضوع حسام... لا محالة... لم أحرك ساكنا... من شدة القلق... إلى أن قال سامر يحثني على الاستعجال: "هيا يا رغد فالوقت ليس من صالحنا..." وصلنا إلى الشقة أخيرا... ومع وصولنا وصلت ضربات قلبي إلى أقصى سرعة... وبدأت أحس بالنبضات في شرايين عنقي... وفيما سامر يستخرج مفتاح الشقة عند الباب حدثني بصوت خافت قائلا: "أنبهك يا رغد... يبدو أن شياطين رأسه تسيطر عليه.." أرعبتني جملته فبلعت ريقي وقلت: "هل.. هو غاضب جدا؟؟" فأجاب وهو يخفض صوته: "يشتعل بركانا.. حاولت أن أعرف ما القصة فلم يخبرني ورفضت إحضارك فهددني بأنه إن ذهب بنفسه إلى منزل خالتك فسوف يحرقه بمن فيه.. لا أستبعد هذا... فوجهه ينذر بالشر..." وضعت يدي اليسرى على عنقي فزعا... ورددت رأسي إلى الوراء... فقال سامر محاولا بعد كل هذا طمأنتي: "سأكون معك.." وفتح الباب... لملمت شظايا قوتي وذكرت اسم الله... ودخلت الشقة... في الداخل وقعت عيناي مباشرة على العينين الملتهبتين.. القادحتين بالشرر... اللتين لم أحظ برؤيتهما منذ أيام... ولم أحظ برعايتهما... منذ أسابيع... كان وجهه كتلة من الحمم البركانية المتوهجة... عابس التعبيرات... قاطب الحاجبين وأحمر العينين... تلك الحمرة التي تكسو وجه وليد وعينيه عندما يشتط غضبا... وكان يتنفس عبر فمه... وتكاد ألهبة من النار المتأججة تخرج مع زفيره... وكان يقف وسط الشقة وعلى أهبة الهجوم... يا لطيف...! أردت أن أبدأ بالتحية... غير أنه لم يكن لها مجال هنا... مع وجه مرعب يقدح شررا... وعندما أغلق سامر الباب خلفه تكلم وليد فجأة: "من فضلك يا سامر ابق في الخارج قليلا". تبادلت النظر مع سامر.. الذي رأى اضطرابي وقرأ توسلاتي.. فقال: "هل الموضوع سري لهذا الحد؟؟" فقال وليد بصبر نافذ: "رجاء ابق في الخارج إلى أن أستدعيك.." فنظر إلي سامر مجددا ثم قال: "يمكنني دخول غرفة النوم". فزمجر وليد بحدة: "قلت في الخارج... لو سمحت". فلم يتحرك سامر بل أصر: "سأدخل إلى الغرفة يا وليد". هنا هتف وليد بغضب: "سامر... رجاءً أخرج الآن ولا تضيع الوقت..." قال سامر: "يبدو عليك الغضب الشديد يا وليد.. لماذا لا تسترخي قليلا ثم تتحاوران؟؟" صرخ وليد: "أنا لست غاضبا..." واضح جدا! ماذا تريد أكثر من هذا!!؟؟ قال سامر: "لكن يا أخي..." فقاطعه وليد بفظاظة: "انصرف يا سامر أرجوك ولا تغضبني بالفعل.." ولم يملك سامر من الأمر شيئا... فنظر إلي نظرة عطف وإشفاق... ثم فتح باب الشقة... وقال محذرا: "إياك أن تقسو عليها... أحذرك..." وألقى علي نظرة أخيرة وخرج... بقينا أنا والمذنب المتوهج وليد بمفردنا في الشقة...هو ينفث الأنفاس الغاضبة الحارقة.. وأنا أرتجف هلعا... وبعد أن التهم عدة أنفاس... قال أخيرا: "اجلسي يا رغد". رفعت بصري إليه ولم أتحرك... كنت مضطربة وقلبي تركض نبضاته بسرعة... ولا أقوى على السير من فرط توتري... ولما رآني متصلبة في مكاني قال بصوت حاد: "اجلسي يا رغد هيا". فزعت وارتددت للوراء... وحين لاحظ ذلك قال: "ما بك تنظرين إلي بهذا الذعر؟؟ هل أبدو كالغول المفترس؟؟ أم هل تظنين أنني سألكمك أنت أيضا؟" خفت.. وأومأت رأسي بـــ (لا).. فأشار إلى المقعد.. فسرت مذعنة... أعرج في خطواتي... إلى أن جلست على طرف المقعد... ووضعت حقيبتي إلى جانبي... وليد كان مرعبا لحد كبير.. وكنت أسمع صوت الهواء يصطدم بفمه كالإعصار.. وكلما أطلق نفسا قويا جذب نفسا أقوى.. حتى أوشك الهواء على النفاذ من الشقة... فجأة اقترب خطوة مني فأرجعت ظهري إلى الوراء تلقائيا.. خشية أن تحرقني أنفاسه أو تلسعني نظراته.. توقف وليد على بعد خطوتين مني ثم قال: "أظنك تعرفين لم أنت هنا". رفعت رأسي وأومأت بـــ(لا).. فهتف بسرعة: "بل تعرفين". أفزعني صوته.. فغيرت موقفي وأومأت بــــ(نعم).. وأنا متوقعة أن يكون الموضوع هو موضوع حسام... قال: "تعرفين أن ابن خالتك العزيزة... قد أتى إلي خصيصا هذا اليوم ليطلب موافقتي على خطبتكما". تصاعدت دفعة من الدماء إلى وجهي... وهويت بأنظاري نحو الأرض حرجا.. ولم أقل شيئا.. فتابع هو: "أتى بمفرده وبكل شجاعة... بل بكل وقاحة.. بعد الإهانات الفظيعة التي رموني بها في منزلهم.. وبدون اعتبار للظروف التي نمر بها في المزرعة... بلا احترام لي ولا لعائلتي... أتى إلي مطالبا بتحويل مشروع زواجكما المزعوم إلى واقع... بكل بساطة". وأيضا لم أقل شيئا... بل لم أجرؤ حتى على التنفس... قال: "وحجته.. أنكما متفقان.. ومستعدان للارتباط.. ومنذ زمن.. وأنه يريد أن يريح مشاعره وقلبه!". فطأطأت برأسي نحو الأسفل أكثر... أكاد أكسر عنقي من حدة الطأطأة... وأفجر عروق وجهي من غزارة الدماء المتدفقة فيها... فتابع وليد: "وربما مشاعرك وقلبك أنت أيضا". ذهلت, ورفعت بصري إليه بطرفة عين, ثم غضضته من جديد في حرج شديد... ولم أرفعه ثانية إلى أن سمعت صوت اصطفاق كفي وليد ببعضهما البعض.. نظرت إليه فشاهدت حشدا من ألسنة النار تغادر عينيه مقبلة إلي... قال: "ماهو رأيك؟" ولم أتكلم فردد السؤال بغلظة: "ما هو رأيك؟ أجيبيني؟؟" فأطلقت لساني بتلعثم: "في ماذا؟" فقال بعصبية: "في هذا الأمر قطعا". فلم أجبه لكنني حملقت فيه... فاقترب مني أكثر وسأل بعصبية وجفاف بالغين: "لا تحملقي بي هكذا بل أخبريني ما هو رأيك الآن يا رغد؟؟ تكلمي". فقلت مفزوعة من صوته: "لا أعرف". فقال: "لا تعرفين؟؟ كيف لا تعرفين؟؟ أخبريني ماهو رأيك الصريح؟" أجبت في خوف: "كما ترى أنت". قطب حاجبيه أقصاهما وقال: "كما أرى أنا؟؟" فكررت: "كما تريد أنت... أنت ولي أمري وما تطلبه سأنفذه". وليد فجأة ضرب مسند المقعد المجاور ورأيت سحابة من الغبار تطير مفزوعة منه... ثم قال: "قولي يا رغد.. ما هو رأيك أنت؟؟ وهل اتفقت معه على أن يأتي لتقديم عرضه في المزرعة؟" فرددت نافية: "لا.. كلا لم أتفق معه.. لقد أتاك من تلقاء نفسه.. لم أعرف إلا من نهلة قبل حضوري إلى هنا مباشرة". ونظر إلي بتشكك فأكدت: "لم أتفق معه على أي شيء صدقني". فسأل: "ولا على الزواج؟" فصمت.. وكرر هو سؤاله بحدة: "ولا على الزواج يا رغد؟؟ هل سبق وأن اتفقتما على ذلك؟؟ أجيبي..؟؟" في الواقع.. كان هذا ما حصل قبل شهور.. قبل انتقالي للعيش في المنزل الكبير.. والتحاقي بالجامعة... قلت معترفة: "أجل" وما كدت أنطق بالكلمة إلا ويدا وليد تطبقان فجأة على كتفي وتهزاني.. وإذا به يصرخ في وجهي: "كيف تجرئين على فعل ذلك؟؟ من سمح لك باتخاذ قرار في موضوع كبير كهذا دون إذني أنا؟؟ كيف تتفقين معه على الزواج دون علمي؟" فقلت مدافعة ومفزوعة في آن واحد: "أنت تعلم بذلك.. لقد عرضت عليك خالتي الموضوع من قبل.. تعرف كل شيء". فقال وهو يهزني: "وأنتتعرفين أنني رفضت الموضوع مسبقا.. وحذرتك من إعادة طرحه أو التفكير به مجددا.. ألن أحذرك يا رغد؟؟ ألم أحذرك؟؟" أجبت: "بلى.. لكن..." فهتف: "لكن ماذا؟؟ أكملي".
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الجمعة فبراير 20, 2009 5:47 pm | |
| ابتلعت ريقي وأرغمني الخوف من صوته على النطق فقلت: "لكنك.. أنت لم ترفض الموضوع بل رفضت توقيته.. وحسام... حسام هو الذي أعاد فتحه الآن.. هو من رغب في تعجيله". صرخ وليد: "وأنت متفقة معه أليس كذلك؟؟" قلت مدافعة: "ليس كذلك.. قلت لك إنني لم أعلم عن زيارته لك إلا من نهلة قبل حضوري". فضغط وليد على كتفي وقال: "لكنك موافقة ألست كذلك؟؟" وشعرت بالألم من قوة قبضته.. والفزع من نظراته المهددة... قلت: "سأفعل ما تطلبه مني أنت". فزاد ضغطه على كتفي وهتف: "موافقة على ذلك؟ أجيبيني؟؟ أترغبين بالزواج من ابن خالتك المخبول هذا؟؟ أجيبيني؟؟" أطلقت صيحة ألم وقلت والدموع تقفز من عيني فجأة: "آه.. أنت تؤلمني.." وليد دفع بكتفي نحو المسند فجأة وابتعد سائرا نحو الباب.. أنا أخفيت وجهي خلف يدي المصابة وأخذت أذرف شحنة الدموع المخزنة في عيني.. وتأوهت من قسوة وليد.. قسوة لم أعهدها ولم أكن أنتظرها منه.. بعد كل ذلك العطف والحنان اللذين غمرني بهما طوال سنين... وبعد كل الفراق والجفاء والمقاطعة التي فرضها علي منذ أسابيع... عندما أفرغت كل دموعي أزحت يدي عن عيني... وشاهدته يدور حول نفسه تارة ويسير يمينا وشمالا تارة أخرى... وهالة من اللهيب الأحمر تحيط به... وحين رآني أنظر إليه صرخ فجأة: "ألم أحذرك من مغبة فتح هذا الموضوع يا رغد؟؟ ألم أفعل؟؟" ولم يمنحني فرصة للرد بل تابع مزلزلا: "لكنكم تستخفون بي.. وترونني مجرما حقيرا خريج سجون... لست أهلا لتولي الوصاية على فتاة يتيمة.. ولا أؤتمن عليها..." أردت أن أنطق (كلا) لكن وليد لم يعطني المجال وواصل: "سأريكم.. ما الذي يستطيع المجرمون فعله.. سترون أن كلمتي أنا.. هي النافذة.. وأنه ما من قوة في الأرض سترغمني على الموافقة على هذا الزواج مهما كانت.." واقترب مني مجددا... ورمقني بنظرات التهديد الشديدة.. وقال: "ستحققين أمنيتك بالزواج منه فقط بعدما أموت يا رغد.. هل تفهمين؟؟" وعندما لم ير مني أي ردة فعل تصور أنني لم أفهمه أو لم أعر كلامه اهتماما... فأطبق على كتفي كالصقر المنقض على فريسته... بمنتهى الخشونة وراح يصرخ: "أكلمك يا رغد... أصغي إلي جيدا.. واحفظي كلامي بالحرف الواحد... أنا المسئول عنك هنا.. وأنا من يقرر كل شيء يتعلق بك... صغيرا كان أم كبيرا... شئت أم أبيت... تركك أبي تحت عهدتي أنا.. وليس تحت عهدة خالتك وعائلتها.. وإن أبقيتك هناك كل هذا الوقت فهذا لأنني أنا أريد إبقائك.. وليس لتتصرفي كما يحلو لك.. أنت وابن خالتك المراهق الأبله... ومتى ما شئت أنا...سآتي وآخذك.. وخالتك.. وزوجها.. وأبناؤها.. كلهم لا يملكون الحق في تسير أمورك.. وحسام بالذات.. وبالذات حسام.. واسمعيني جيدا.. هذا الفتى بالذات.. سيكون آخر آخر آخر شخص على وجه الأرض.. سأسمح له بالاقتراب منك.. ولن يكون ذلك إلا بعد موتي.. أفهمت ذلك يا رغد؟؟ أفهمت ذلك؟؟" كل هذا الصواريخ في وجهي.. والضغط العنيف على كتفي.. والأعاصير النارية المنطلقة من عينيك وتريد مني ألا أفهم؟ صحت بخوف وأنا أحاول استعطافه والنجاة من بطش يديه: "نعم... فهمت.." فضغط على كتفي بخشونة أشد وقال: "فهمت جيدا؟؟ أنا لن أعيد كلامي في المرة المقبلة إن تكرر الأمر.. ولن أكتفي بلكم وجهه.. بل سأهشم عظامه كلها.. وأطحن رأسه... أوعيت هذا؟؟" قلت: "فهممت.. فهمت.. أرجوك... يكفي". وواصل عصر كتفي بقبضتيه وهو يجبرني على النظر في عينيه ويخترقني بنظرته الثاقبة النهددة ويقول: "لا تضطريني لتصرف لا تحمد عقباه يا رغد... أحذرك... أحذرك... ما أنا فيه يكفيني... التزمي بكلامي وإلا.." أطلقت إجابتي مع زفرة ألم: "حاضر... فهمت... سأفعل ما تأمرني به... هذا موجع... أرجوك أتركني..." وانخرطت في البكاء من الألم... فأطلق سراح كتفي وابتعد... جعلت أمسد كتفي الأيمن بيدي اليسرى لأخفف الألم... ولم أرفع رأسي مجددا... حل سكون مخيف بضع دقائق.. ثم سمعت صوت باب الشقة ينفتح فرفعت رأسي ونظرت إلى وليد فشاهدته يغادر... وقفت بسرعة وسألت: "إلى أين تذهب؟؟" لكنه أغلق الباب ولم يجبني... أسرعت أسير بعكازي إلى الباب وأردت فتحه فإذا بي أسمع صوت قفله يدار.. ضربت الباب وهتفت بفزع: "وليد إلى أين تذهب؟ افتح الباب". فسمعته يقول من خلف الباب: "سأرسل إليك سامر". فقلت: "لا تتركني وحدي.. أرجوك افتح". ولكنه لم يفتح ولم أعد أسمع صوته... بقيت واقفة عند الباب في انتظار عودة وليد أو سامر.. ومرت بضع دقائق ولم يظهر أي منهما.. انتابني الذعر.. وعدت إلى المقعد واستخرجت هاتفي من حقيبتي واتصلت بوليد فلم يجبني.. واتصلت بسامر فوجدت الخط مشغولا.. انتظرت دقيقة ثم أعدت الاتصال بسامر فرد علي وأخبرني بأنه في صالون الحلاقة أسفل المبنى وسيصعد بعد عشر دقائق... "لكنني وحدي في الشقة... ذهب وليد وتركني أرجوك تعال الآن". قال سامر: "لم يذهب. أخبرته أن يبقى وينتظرني. سيأتيك الآن". وأنهيت المكالمة ونظرت نحو الباب في انتظار عودة وليد... ولكنه لم يعد. أخذ القلق والخوف يتفاقمان في صدري... وإن هي إلا دقائق حتى عاودت الاتصال بسامر وأخبرته بأن وليد لم يعد ورجوته أن يوافيني في الحال. فقال إنه قادم... وأقبلت نحو الباب في انتظاره... وعندما اقتربت نمه خيل إلي أنني سمعت صوتا من خلفه ففزعت... أصغيت بسكون... فتكرر الصوت وأجفل قلبي... "سامر؟؟" ناديت بحنجرة مخنوقة... ولم أسمع ردا... لكنني أحسست بحركة ما... وكأن أحدهم يقف خلف الباب مباشرة أو يستند إليه... سألت: "وليد؟" فسمعت صوته يرد: "نعم هنا". لقد كان وليد قلبي يقف خلف الباب... مستندا إليه... عندما سمعت صوته حلت الطمأنينة في قلبي... فألقيت بثقل جسمي على الباب... وخيل إلي... أنني أحسست بالحرارة تتخلله منبعثة من جسم وليد... يفصل بيني وبينه باب خشبي... وعشرات المشاكل ومئات الشحنات... والمشاعر المتضاربة والمواقف الملاطمة... والكلمات القاسية... والمعاملة الجافة... التي أثخن قلبي وجسدي بخدوشها قبل قليل... تلمست كتفي... فألفيت الألم قد انقشع... وتلمست الباب فوجدته دافئا وحنونا... وألصقت أذني به... فتوهمت أنني أسمع نبضات قلب وليد... تناديني... أفقت من أوهامي على صوت خشن زاجر... أصدره وليد... "أقول لك انتظرني ها هنا فتذهب إلى الحلاق؟؟" ثم أتى رد بصوت سامر: "لم أتوقع أن تنهيا الحوار بهذه السرعة كما وأنني لم أشأ الوقوف هكذا كالبواب". فقال وليد متضايقا: "قلت لك إنني لن أطيل الكلام وكما ترى فالوقت ليل ولا يزال أمامك مشوار إعادتها... تعرف أن التجول محظور آخر الليل هناك.." ثم سمعت صوت المفتاح يدخل في ثقبه فابتعدت بسرعة... كان سامر هو من فتح الباب فدخل ولم أر أحدا من خلفه... استدار للوراء ثم التفت إلي وأغلق الباب من بعده وسألني: "هل أنت بخير؟؟" أجبته: "نعم". فاقترب وهو يحملق في عيني ويرى أثر الدموع ثم سأل: "ماذا قال لك؟؟" فطأطأت برأسي ولم أجبه. فألح علي بالسؤال غير أنني اعتذرت عن الإجابة.... قال: "إذن الموضوع سري بينكما؟" ألقيت نظرت سريعة عليه ثم نظرت إلى الأرض لأبعد عيني عن عينيه... خشية أن يكتشف شيئا... سأل برجاء: "ألن تخبريني؟" فلم أرد... كيف أخبرك وبم؟؟! سيضرب هذا على وترك الحساس المؤلم... أأقول إن حسام عرض على وليد الزواج مني...؟؟ احترم سامر موقفي وقال متراجعا: "كما تشائين. إنما أردت المؤلزرة. فإذا ما أساء إليك أخي بأي شكل فأخبريني حتى أوقفه عند حده". فشددت على قبضتي ولم أتفوه بشيء... بعد ذلك... أعادني سامر إلى منزل خالتي... ولأن المسافة بين المدينتين التجارية والصناعية طويلة نسبيا, فقد وصلنا في ساعة متأخرة من الليل... أما وليد فكان قد اختفى فور ظهور سامر عند باب الشقة... ولا أعرف إن كان قد عاد إلى مزرعة الشقراء أم أنه بات في شقة أخيه تلك الليلة... وجدت خالتي ونهلة في انتظاري وعيونهما ملأى بالتساؤلات... أخبرتهما بأنه لا شيء يستحق القلق وذهبت إلى غرفتي فتبعتنب نهلة... والتي سهرت في انتظار عودتي على نار هادئة لتعرف ما حصل... "لا شيء". تعجبت من قولي وسألت: "لا شيء؟؟ كل هذا الوقت وتقولين لا شيء؟؟" أجبت: "تعرفين... الوقت ضاع في قطع المسافة من هنا إلى شقة سامر... ذهابا وإيابا". سألتني بصبر نافذ: "المهم ماذا حدث وفيم تكلمتما؟ وهل تصالح معك..؟؟" أجبت بإعياء: "أسكتي يا نهلة أنا متعبة ولا طاقة لي بالحديث". وألقيت بثقل جسمي على السرير... ومددت أطرافي... لكن نهلة لم تعتقني: "أرجوك يا رغد أخبريني بما حصل الفضول يخنقني؟؟" قلت أخيرا وأنا أنظر إلى السقف وأتنفس الصعداء باسترخاء بعد كل ذلك التوتر...: "تشاجر معي.. فجر صواريخ فتاكة في وجهي.. وهددني بأن.." قالت نهلة بلهفة: "بأن ماذا...؟ أكملي!؟" فوجهت بصري نحوها وقلت: "بأن يهشم عظام حسام إن عاود طرح موضوع الزواج ثانية..." حملقت بي نهلة بدهشة... ثم قالت مستنتجة: "هكذا إذن.." ثم أضافت: "تهديد صريح آخر..." حينها قلت بجدية وصراحة: "إنه ينوي شرا.. أخبري حسام بأن يبتعد عني وأن يلغي الفكرة نهائيا من رأسه لينجو بنفسه..." غضبت نهلة من كلامي الصريح الجارح.. وقالت وهي تستدير مغادرة: "أخبريه أنت بذلك.. أنا لن أجرح أخي بهذه القسوة.. أنت عديمة الإحساس".
*************************
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الجمعة فبراير 20, 2009 5:53 pm | |
| رفض كل من أخي ورغد إطلاعي على موضوع الحوار الذي دار بينهما... لكني لم أسكت على الدموع التي رأيت آثارها في وجه رغد ليلتها... "حسنا... أنا لن أطلب منك إخباري بتفاصيل الموضوع وسأنسى أنني من جلبها وأعادها في قلب الليل وأن الحديث دار في شقتي أنا... لكنني لن أتغلضى عن جرحك لها وجعلها تبكي يا وليد". نفثت كلامي بانفعال أمام أخي, الجالس بصمت يشرب الماء البارد... ويبتلع قطع الجليد الصغيرة السابحة في الكأس. تجاهل أخي كلامي فغضبت وقلت: "أكلمك يا وليد ألا تسمع؟" نظر أخي إلي من خلال زجاج الكأس الشفاف الذي يحمله في يده وأجاب: "اسمع". فقلت: "إذن أخبرني.. لماذا جعلتها تبكي؟ لماذا تعاملها بخشونة؟" أجاب أخي: "ليس من شأنك يا سامر وأرجوك... أنا متعب كفاية... دعني أسترخي". فقلت مستنكرا: "ليس شأني؟؟ كيف تقول هذا؟ إنها ليست ابنة عمك وحدك..." وكأن الجملة أثارت أخي فقال بحدة: "الأمر لا يعنيك يا سامر فرجاء لا تتدخل". فقلت غاضبا: "بل يعنيني... أنا لا أتحمل رؤية رغد تبكي أو تتألم... ولا أسمح لك بأن تسبب لها هذا". وقف أخي فجأة... وألقى بالكأس بعنف نحو الأرض فتكسر... ثم صرخ غاضبا: "أما زلت تفكر بها؟؟...سامر ... أيها الأحمق... إنها لا تكترث بك". جفلت ولم أستطع التعقيب. اقترب أخي مني حتى صار أمام وجهي مباشرة وإذا به يسألني: "ألا زلت تحبها؟؟" ففارت الدماء في وجهي... لم أكن أتوقع منه هذا السؤال وهكذا مباشرة... أخي أمسك بذراعي بقوة وقال: "لقد رأيت ما تخفيه في خزانتك... يا لك من بائس... تخلص منها تماما... إنها لا تفكر بك.. ولن تعود إليك... لا تتعب نفسك... انسها نهائيا". وطعن كلام أخي على جرح قلبي مباشرة... فأبعدت يده عني فعاد وأمسك بي وأعاقني عن الحركة وقال: "أخرجها من رأسك نهائيا يا سامر... ولا تدافع عنها فهي خائنة وتستحق العقاب". عند هذا لم أتمالك نفسي ودفعت بأخي بقوة حتى ارتطم بالجدلر. وأوليته ظهري قاصدا الخروج من المكان غير أنه أمسك بي فجأة وجذبني في اتجاهه ولوى ذراعي... وهو يقول: "أجب على سؤالي أولا". حاولت الفكاك منه ولكنه كان يطبق علي ويعيق حركتي كلما أردت التملص. هتفت: "اتركني وليد". رفست بطنه بركبتي حتى أبعده عني. وبصراحة رفستي لم تكن قوية... لكن أخي أطلق صرخة ألم واندفع مبتعدا عني... وأمسك ببطنه وراح يتلوى. ثم إذا به يجثو على الأرض بالضبط فوق شظايا الكأس المكسور دون أن ينتبه لها... ويحني رأسه إلى الأرض ويتقيأ الماء الذي شربه قبل قليل... ممزوجا بالدم... هلعت لمنظر أخي... وأقبلت إليه قلقا ومددت يدي نحوه, غير أنه أبعدها بفظاظة وأخذ يتلوى... وأخيرا نهض وسار نحو الباب. "إلى أين؟؟" فالوقت كان قد تجاوز الواحدة ليلا... ويفترض به المبيت عندي... ووضعه لا يسمح بالمغادرة... تبعته وحاولت استيقافه إلا أنه صدني وغادر الشقة... وقبل غروب الشمس التالية اتصل بي وأخبرني بأنه في طريقه إلى المطار... مسافرا إلى الجنوب. سافر أخي إلى المدينة الساحلية... وغاب عنا بضعة أسابيع... جاء سفره مفاجئا ودون سابق تخطيط وتهيئة... وتوقعت أن أواجه موقفا صعبا مع رغد لدى إبلاغها عن هذا... فكتمت النبأ عمدا في البداية... وفي الآونة الأخيرة لاحظت أن رغد لحد ما قد هدأت... أعني أنها لم تعد تثور وتغضب بسرعة... بل بدت مستسلمة لما نقوله لها بدون جدال... صحيح أن حالتها هذه لم ترضني لكنها على الأقل أفضل من التهيج الشديد الذي سبقها, وكذلك أبدت تجاوبا جيدا مع برنامج العلاج في المستشفى وحضرت المواعيد التالية بلا اعتراض... والأهم...أنها توقفت عن الاتصال بهاتف وليد وعن السؤال عنه... اعتقدت أن مادرا بينهما تلك الليلة قد أراحها بشكل ما... وأن اعتقادها أن وليد في الجوار هدأ نفسيتها... وخشيت إن أنا كشفت لها حقيقة سفره الآن أن تتقلب بها الأحوال, فواصلت كتم النبأ إلى أن حل هذا اليوم... والذي قرر فيه الطبيب أخيرا نزع جبيرة يدها... بعد أن نزعت الجبيرة... وحركت رغد يدها... رأيت ابتسامة تشع على وجهها ولأول مرة مذ قدمت إلى المدينة الصناعية.. وبمجرد أن غادرنا عيادة الطبيب قالت لي: "سأتصل بوليد وأخبره بأنني أستطيع تحريك يدي كالسابق, لا بد وأنه سيفرح للخبر!" واستخرجت هاتفها واتصلت به ولم يرد, فحمدت الله في داخلي... لكنها سرعان ما فكرت بالاتصال بالمزرعة والسؤال عنه... حينها لم أجد مناصا من إطلاعها على الحقيقة... ساعتها تجهم وجه رغد واختفت تماما آثار الابتسامة التي عبرت على وجهها قبل قليل... أحسست بالندم على تسببي بقتل بهجتها القصيرة... ولكي أشجعها ادعيت أن وليد قد أعرب لي عن عزمه اصطحابنا معه في المرة المقبلة... ولم يكن هناك جدوى من ادعائي. ومضت الأيام والأسابيع وهي على حالها من الكآبة وفقدان الاهتمام بأي شيء.. حتى أنها نحلت أكثر مما هي نحيلة وانطوت على نفسها أكثر مما هي منطوية وما عدت أطيق رؤيتها بهذه الحال... الشيء الوحيد على الأقل.. الذي صرفت إليه بعض الاهتمام... كان الرسم, ولكي أشجعها على الانشغال به وطرح الأحزان جانبا جلبت لها عدة الرسم كاملة, ووعدتها كذلك بشراء حاسوب محمول مع ملحقاته وكتبه... عما قريب... أما وليد فكما فاجأني بسفره فاجأني بعودته ذلك اليوم... صدمت للوهلة الأولى عندما دخلت شقتي ورأيته جالسا يشاهد التلفاز... وقد كان وجهه شاحبا هزيلا ملتحيا, وقد خسر جسمه عدة أرطال. ولا لم يبد أنه قد حلق شعره أو ذقنه منذ لقائي الأخير به قبل أربع أسابيع... وقف ليحييني ويصافحني, فحييته وسألته: "ماذا حل بجسدك؟؟!" فابتسم ورد: "القرحة حرمتنا من الطعام..." فسألت: "هل تراجع طبيبا؟" فأجاب: "لا وقت لذلك, العمل مضغوطا جدا وبالكاد نتنفس". وتبادلنا حديثا قصيرا عرفت فيه أنه عائد من أجل شؤون عمل تتطلب توقيع زوجته شخصيا على بعض الوثائق الهامة... "ولكن.. ألست موكلا للتصرف بكل شيء... توكيلا شاملا ورسميا". فأجاب: "بلى, لكن هناك بعض الاستثناءات الضرورية". أطرقت برأسي برهة, وراودني سؤال طارىء لم يسبق لي أن طرحته على أخي: "متى ستتزوجان؟" ألقى علي أخي نظرة لا مبالاة, ثم أدار وجهه بعيدا عني... واستخرج من أحد جيوبه قرصا دوائيا ووضعه في فمه. ثم جذب نفسا عميقا ثم قال: "إنني أريد على الأقل.. أن تسير أمور المصنع كما يجب. أروى لا تفكر في حجم الخسائر التي ستلم بثروتها إن هي بقيت عالقة في الشمال وأملاكها مزروعة في الجنوب. لولا السيد أسامة المنذر بعد الله لفاتها الكثير.. ليس جميع موظفي المصنع والشركة بأمانة المنذر... يجب أن يبقي صاحب الأملاك عينه مفتوحة على ثرواته... يجب أن تعود إلى الجنوب". فهمت حرص أخي على أموال زوجته, وتفانيه في العمل لأجلها, وقلت: "البركة فيك يا أخي". فنظر إلي وأوشك أن يقول شيئا لكنه تراجع والتزم بالصمت. ثم عاد وقال: "أنا لا أريد العيش وحيدا هناك... أريد عائلتي من حولي... المنزل كبير وكئيب..." فانتهزت الفرصة وسألت: "ماذا عن عودتنا أنا ورغد؟" وكأن السؤال أوجعه أو صب خل الليمون الحامض على معدته فإذا بي أرى وجهه يتألم ويده ترتفع إلى موضع معدته وفمه يطلق آهة مريرة... قلت قلقا: "أأنت بخير؟" وما كان من وليد إلا أن وقف واستدار باتجاه الباب... قال أخيرا وهو ينصرف: "ليس بعد... دعهم ينزعون جبيرة رجلها أولا... أراك لاحقا". عندما وصل إلى الباب توقف واستدار إلي وقال: "لا تخبرها عن حضوري".
*****************************
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الجمعة فبراير 20, 2009 5:58 pm | |
| ذات نهار... وفيما أنا حبيسة في غرفتي لا أفعل شيئا غير محاولة تذكر ملامح وجوه أحبابي البعيدين... ورسمها على الورق... أمي... أبي... دانة... ووليد... وليد قلبي الحبيب الغائب... طرق الباب... "رغد هل أنت مستيقضة؟" وكان صوت حسام. أجبته بنعم, فأخبرني بأن لديه ما يعطيني إياه... طبعا كنا أنا وهو نتحاشى الجلوس أو التحدث معا قدر الإمكان... بعد الذي حصل... أغلقت كراستي وقمت وارتديت حجابي وقتحت الباب فرأيته يحمل صندوقا ورقيا كبيرا وثقيلا على ما بدا... سأل: "أين أضعه؟؟" قلت مستغربة: "ما هذا؟" فأجاب مستغربا: "أليست أغراضك داخل الصندوق؟" سألت متعجبة: "أغراضي أنا؟" فقال: "بعث به ابن عمك..." وتذكرت الحاسوب المحمول الذي وعد سامر بشرائه لي بعد نزع جبيرة يدي... واستنتجت أن يكون هذا هو... قال حسام: "أين أضعه؟ فهو ثقيل ولن تستطيعي تحريكه". قلت وأنا أشير إلى الطاولة الصغيرة عند الزواية: "هناك من فضلك". وسرت خلفه وأنا أقول: "لا بد أنه الحاسوب المحمول..." وضع حسام الصندوق على مكتبه وهو يسأل: "حاسوب؟ عظيم!من أي شركة؟" وأخذ يطالع جوانب الصندوق بحثا عن أي معلوملت ولم نجد شيئا قلت: "افتح لنرى". وبادر حسام بفتح الصندوق, ودهشنا حين وجدنا محتواه مجموعة من الكتب والمجلات الكراسية... وأدوات الرسم...! استخرجت الكتب وإذا بها نسخا عن بعض كتبي الدراسية!! أخذت أقلبها متعجبة وقلت: "هذه... كتبي الدراسية!!" وعدت أتأمل المجموعة وأستخرجها واحدا بعد الآخر... وأسترجع ذكريات الدراسة... وأنا أقول: "أنا لم أطلب هذا من سامر! كيف عرف بأسمائها؟؟" وسمعت حسام يجيب: "وليد من بعث بها". التفت إليه غير مستوعبة: وليد!؟... وليد؟؟ اسم عادي.. أسمعه عشرات المرات في اليوم.. بيني وبين نفسي.. أو بين وجهي وصورته في المرآة... أو بين قلمي وكراستي ورسماتي... أو حتى من لسان أي شخص من حولي... وليد... هو الاسم الذي يلفظه قلبي مع كل نبضة ويزفره صدري مع كل نفس.. اسم معتادة حواسي على استقباله كل حين... لكن العجب كل العجب... أن يقشعر جسدي فجأة.. حالما لفظ هذه المرة.. فجأة... إذا بي أحس بطوفان هائل من الدماء يصعد إلى وجهي ويجتاح قسماته... ويوشك على تدمير ملامحه وطمس معالمه... تقول وليد؟؟!! وليد؟؟؟ سألت... وأنا بين تصديق وتكذيب أذني... فهي لكثرة ما تاقت للسماع عنه أو منه, صارت تتوهمه صحوة أو غفوة: "وليد!!" حسام قال... وهو يتأمل التحولات التي طرأت على تعبيراتي: "نعم.." قلت متلعثمة... وأنا أشير إلى الصندوق: "تــــ... تعني... أن... إن هذا من عند... وليد؟؟" رد: "أجل..." وأعدت التحديق في محتويات الصندوق... واستخراجها وتلمسها... وكأنني أبحث عن بقايا بصمات وليد عليها... آه يا وليد... تبعث إلي بكتبي الدراسية وأدوات رسمي... لا زلت تهتم بي... نعم أنت كذلك... أنت كذلك... ولو لم يكن حسام إلى جانبي ساعتها لأكببت على الصندوق وما حوى مصافحة ومعانقة... التفت إلى حسام وسألته: "ولكن... كيف بعثها؟؟ بالبريد؟" فنظر حسام إلي نظرة هادفة ثم قال: "أحضرها بنفسه". عفوا؟؟ ماذا تقول؟؟! حملقت في حسام مطالبة بأن يعيد الجواب... فأنا اليوم صماء ولا أسمع... "أحضرها... بماذا؟؟ بالــــــ... بالبريد؟؟" ونظرت إليه منتظرة أن يقول نعم, لأنني لن أصدق غير ذلك, لكنه قال: "بنفسه". ملأت الدهشة عيني ورددت: "بنفسه؟؟" فأومأ نعم... فسألت بسرعة: "ماذا تعني؟؟ وليد... وليد جاء... إلى هنا؟؟" فأومأ بنعم... شهقت ورفعت يدي إلى صدري تلقائيا... ربما لأهدىء من الاضطراب المفاجىء الذي اعتراه... "لكن... آه... كيف؟؟ وليد مسافر... إنه... إنه..." فقال حسام: "إنه من جلبها وقد استلمتها من يده مباشرة". هتفت وأنا مذهولة: "متى؟؟!!" أجاب: "الآن". قلت وعيناي ينفتحان أوسعهما: "الآن!!" قال وهو يرى انفعالي: "نعم. اتصل بوالدي قبل قليل وقال إنه سيمر لإيصال شيء لك". انتفض جسمي.. وقلت مرتبكة: "هل.. تعني.. أنه.. كان هنا؟؟ كان هنا؟؟" حسام نظر إلي نظرة حادة ثم أجاب: "تركته واقفا مع أبي في الفناء.. وأتيت أسلمك الصندوق". ارتج دماغي إثر ذلك.. ترنحت في وقفتي كما لو كنت أقف على كرة متدحرجة... وليد هنا؟؟ هنا؟؟ حسام رأى التعبيرات القوية على وجهي.. ورآني وأنا أندفع فجأة مهرولة نحو الباب... وأسير بسرعة... بسرعة... بكل ما أوتيت على ضعفي من قوة... بسرعة... قبل أن يرحل وليد... سمعت حسام يلحق بي ويناديني.. لكنني تجاهلته وسرت عرجاء واطئة على رجلي المصابة ورافعة ثقلها مرة... ومستندة إلى عكازي مرة أخرى.. متجاهلة الألم الذي اشتعل في رجلي كصعقة الكهرباء... فقط لأدرك وليد قبل أن يرحل... وأخيرا وصلت إلى الباب الرئيسي للمنزل.. وما إن فتحته حتى رأيت عمي أبا حسام مقبلا نحوه... قلت بلهفة: "أين وليد؟؟" استدار للوراء ينظر إلى من كان يقف بجواره قبل قليل... نظرت إلى بوابة السور الخارجي فرأيت وليد يفتح البوابة الخارجية على وشك الخروج... هتفت بأعلى صوتي: "وليد..." خشيت أن يكون صوتي قد خرج هزيلا بالكاد لامس الهواء قرب فمي.. لكنه وصل إليه.. رأيته يتوقف ويستدير... خرجت عبر الباب وهبطت العتبات بسرعة متجاهلة ألم رجلي... وهرولت وأنا أعرج حافية.. أدوس على الرمل والحصى... وبقايا أوراق وأغصان الأشجار العالقة في الممر... قاطعة المسافة الطويلة بين البوابتين... حتى صرت قريبة منه... للحد الذي... لو تخطيته... لانصهرت من وهج حرارته... كان الوقت ظهرا.. والشمس حارة.. وقوية السطوع.. تعشي العين عن الرؤية.. وحاربتها حتى أرسل نظراتي إلى وليد... نعم... إنه وليد... بدمه وجسمه... بطوله وعرضه... بكيانه وهيئته... والهالة من اللهب الأحمر المتوهج... التي تحيط به... كان يضع نظارة شمسية تخفي عن شوقي أي نظرة انتظرت أن أصافحها في عينيه.. بعد فراق طويل قاس... وكان شعره طويلا بعض الشيء ومبعثر... لاعبه النسيم الصيفي الحار لحظة هبوبه... وليد بقي واقفا في مكانه.. لم يتحرك.. ولم يظهر أي حركة تشير إلى أنه يكترث لظهوري... وقفت أسترد أنفاسي التي نهبت مذ علمت بوجوده.. وأحاول خرق نظارت السوداء ورؤية ما تخفيه عدستاها خلفهما... لم أر شيئا.. اقتربت منه أكثر.. صرت أمامه.. تفصلني عنه بضعة أمتار... وقفت صامتة لا أعرف ماذا أقول.. من أين أبدأ وأين أنتهي؟؟دعوني... فقط أتأمل وليد... وأملأ قلبي من الإحساس الجميل الذي ينتابني بقربه... ماذا حل به؟ لماذا لا أستطيع التحدث؟؟ هيا يا لساني انطلق.. أما اكتفيت حرمانا؟؟ أرجوك... قل شيئا...! "وليد.." نطقت باسمه وعيناي توشكان على التهامه.. وأذناي على أهبة الاستعداد لخطف أي كلمة تصدر من لسانه قبل مغادرة فمه... "وليد... أأأ.. لم أعلم أنك هنا". لم يرد.. قلت: "كنت.. أعتقد أنك... مسافر". لم يرد.. قلت: "متى عدت؟" أجاب أخيرا: "قبل أيام". قبل أيام؟؟ أنت هنا منذ أيام... وأنا لا أعرف؟؟ قلت: "لم...يخبرني سامر عن عودتك...!!" ثم أضفت: "حمد لله على سلامتك". رد مقتضبا: "سلمك الله". انتظرت منه أن يخبرني عن أي مبرر لعدم إحاطتي علما بعودته... أو بمجيئه إلى منزل خالتي الآن... ولما لم أر منه المبادرة لشيء سألت: "و... كيف هي أحوالك؟" فنطق مجيبا ببرود: "بخير". ولم يسألني عن حالي أنا... سمعت صوت باب المنزل فالتفت إليه ورأيت حسام وأباه يقفان هناك... يراقبانني عن بعد.. وعندما عدت بنظري إلى وليد رأيته وقد مد يده إلى قبضة البوابة يوشك على فتحها. قلت: "هل أنت مستعجل؟ هل ستذهب الآن؟؟" قال: "مررت لجلب الكتب قبل سفري". توقف قلبي عن النبض وانحشرت أنفاسي في صدري... قلت مذهولة: "ستسافر؟؟" قال: "نعم". قلت: "متى؟" أجاب: "غدا".
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الجمعة فبراير 20, 2009 6:09 pm | |
| الحلقة السابعة والأربعون
تحت جنــاحك مهــما يكــــــــن
في طريق عودتنا من مكتب الشؤون المدنية القابع في المدينة الصناعية حيث استخرجنا بعض الوثائق اللازمة للعمل, مررنا على منزل خالة رغد وقال وليد إنه سيوصل إليها بعض الحاجيات. وبعدما إلى المزرعة لاحظت شرود وانشغال باله. ولكي أكون دقيقة أكثر أقول إنني لاحظت ذلك منذ أن غلدر وليد منزل خالة رغد. كان وليد قد عاد قبل يومين من المدينة الساحلة جالبا معه حقيبة عمله من الأوراق والوثائق المهمة التي يريد مني الاطلاع عليها وقبولها ورفضها. حسابات... عقود... فواتير... مشاريع... وأشياء مزعجة اعتاد وليد على أن يقحمني فيها حينما كنا في المدينة الساحلية. شؤون العمل هي كل ما دار نقاشنا حوله خلال الأيام القليلة التي قضاها هنا... ولم نتحدث عن أي شيء آخر... وكأننا لسنا خطيبين... فرقت بينهما عدة أسابيع والتقيا أخيرا... وها هو الآن يستعد للمغادرة ويأخذ حقيبته من فوق المكتب ويخطو وسط الغرفة... باتجاه الباب. كان يريد الذهاب إلى أخيه ليقضي الليلة معه وليصطحبه إلى المطار غدا. كنت أراقبه بصمت وتأمل... ولاحظ هو تحديقي به فتوقف وسأل: "أهناك شيء؟" هناك أشياء كثيرة ولكن لا مجال لطرحها الآن. أجبته بعد تردد: "لا...لاشيء... فقط... لم لا تقضي الليلة هنا؟؟" فنظر إلي نظرة ذات مغزى... فقلت: "سأعد لك عشاء معتبرا...لا يبدو أنك تأكل شيئا منذ أسابيع". وخشيت أن يستسخف الفكرة لكنه لم يشأ إحراجي فقال: "لا بأس... لكن يجب أن يكون عشاء مبكرا... إذ سيتعين علي الخروج باكرا صباحا". فابتسمت بسرور وانصرفت من فوري إلى المطبخ وعملت بنشاط... وفيما أنا منشغلة مع طهوي أقبل خالي إلى المطبخ.. "هل تكلمتما؟" مشيرا إلى موضوع زواجنا المعلق. فمنذ يوم طلبت منه أن ننفصل وحتى يومنا هذا وليد لم يفتح الموضوع ولم يخبرني عن قراراته ولا ما يجول بخاطره... ولم يجمع بيننا لقاء خاص أو حوار خاص... أو حتى سفرة طعام... وفاة والدتي رحمها الله شغلتنا عن التفكير بأنفسنا. علاقتنا باردة كالثلج.. وهو وجد في العنل مهربا من التصادم معي... ولكن إلى متى؟؟ أجبت أخيرا على سؤال خالي: "ليس بعد". فحزن ونهد. كان قلقا علي. قلت له: "إنه لم يقم هنا غير ثلاثة أيام... كان مشغولا مع الوثائق والأوراق... لم تسنح الفرصة". فقال خالي: "الشاب ينتظر منك أنت فتح الموضوع يا بنيتي فهو لن يجرؤ على هذا في ظل ظروفنا الحالية". قلت بصراحة: "لا أعرف من أين أبدأ ولا كيف... أنا مشوشة جدا يا خالي وفقد والدتي أربك حياتي". وسكت برهة ثم واصلت: "استطعت دعوته للبقاء هنا الليلة... وتناول العشاء معي... سأحاول أن ألمح للموضوع أثناء ذلك... وأرى إن... كان على استعداد للتطرق إليه الآن..." شد خالي على يدي وقال: "أصلح الله أمركما وبارك فيكما... تشجعي بنيتي..." ثم غادر... تركت الطعام ينضج على النار... وذهبت إلى حيث وليد... كان جالسا في غرفة المعيشة يطالع الصحيفة باهتمام... وقد ترك حقيبة سفره على المقعد بجانبه.. هممت بأن أقترب منه وأبعد الحقيبة وأجلس بجواره... ولكن خانتني شجاعتي... لما انتبه وليد لحضوري قال معلقا على خبر قرأ في الصحيفة: "سيحظرون الرحلات الجوية من جديد... لا نعلم لكم من الزمن... سيزداد الأمر سوءا ومشقة". وقطب حاجبيه استياء... وتابع القراءة... أردت التفوه بأي تعليق غير أن هاتفه سبقني بالرنين فأجابه وليد, وسمعته يتحدث باهتمام إلى الطرف الآخر والذي أدركت من مضمون الكلام أنه شقيقه يسأله عن موعد حضوره ثم يطلب منه أمرا ملحا... هتف وليد وهو يقف ملحا: "رغد؟؟" فأصغيت لحديثه باهتمام... وكانت آخر جملة قالها: "حسنا أنا قادم". وأنهى المكالمة. سألته بفضول: "خيرا؟؟" فنظر إلي نظرة سريعة ثم قال: "يجب أن أغادر الآن... أنا أسف". أصبت بخيبة كبيرة... وقلت معترضة: "والعشاء؟؟" فقال معتذرا: "تناولاه بالصحة والعافية... لن أستطيع مشاركتكما". غضبت وقلت: "لقد أعددته من أجلك أنت يا وليد... ألا تقدر هذا؟؟" أطرق وليد برأسه ثم قال نعتذرا: "بلى يا أروى طبعا أقدر... لكن..." فقاطعته منفعلة: "لكن حبيبة القلب أولى بكل التقدير". نظر إلي وليد والدماء أخذة في الصعود إلى وجنتيه. ولم يجرؤ على التفوه بكلمة. أما أنا فقد اختل ميزاني لحظتها وأطلقت لساني قائلة: "لم سكت؟ قل شيئا... ألست ذاهبا إليها؟" زفر وليد زفرة ضيق من صدره ثم قال: "سأذهب إلى شقيقي... يطلب حضور حلا والأمر مقلق". فقلت: "لكنه أمر متعلق برغد... أليس كذلك؟؟" ولم يجب فقلت: "لن يمكنك الإنكار". هنا قال: "لا أعرف ماذا هناك يا أروى... سامر لم يوضح لكنه أقلقني... ربما حدث شيء لا قدر الله". فقلت: "أو ربما الصغيرة الغالية تتدلل على وصيها الحنون النبيل!" نظر وليد إلي بانزعاج فقلت: "إنها بالمرصاد لأي شيء يسعدني... ألا تلاحظ هذا؟؟" زفر وليد الكلمات بضيق: "هذا ليس وقته... أرجوك..." وأولاني ظهره وتناول حقيبته هاما بالمغادرة... لم أتمالك نفسي حينها وشعرت بالإهانة والخذلان والغيظ, فهتفت مجنونة: "وليد... إذا خرجت الآن فلا تعد إلى هنا ثانية". توقف وليد واستدار إلي... ورأيت في عينه دهشة ثم مرارة كبيرة... لكنني لم أستطع السيطرة على شعوري... في أحوج الأوقات إليه تركني وسافر... والآن مع أول خطوة للتصالح بيننا وفيما أنا أشغل تفكيري وجهدي فيه ولأجله... يتركني وينصرف إليها... أشاح وليد وجهه دون تعليق وسار نحو الباب. فهتفت مجددا: "قلت... إذا خرجت فلا تعد ثانية... أبدا... هل سمعت؟" ولم يكترث بكلامي, فصرخت في غيظ: "هل سمعتني يا وليد؟؟" استدار آنذاك بعصبية ونظر إلي وهتف بغضب: "نعم سمعت". ثم أضاف: "كم يؤسفني هذا منك... أولا أنا قلت سأذهب إلى شقيقي... يعني إلى المدينة التجارية وليست الصناعية والطريقان مختلفان ومتباعدان... وثانيا ليس بالوقت المناسب لتقليب المواجع... دعينا نفترق بسلام الآن". كنت أشعر بأن جزءا من قلبي قد نزع بعنف قلت منهارة: "لن يكون هناك مرة قادمة... إذا خرجت الآن فلا تعد... أنا لم أعد أحتمل... هذا كثير... أي نوع من الأزواج أنت؟؟" وهرولت منصرفة عن غرفة المعيشة وعائدة إلى المطبخ وأسندت جبيني إلى الثلاجة وأخذت أبكي... بعد قليل سمعت صوت وليد يناديني ولم أجبه... أحسست به يقف عند الباب ثم يقترب مني... ثم سمعته يقول لي: "أروى.. أرجوك... لاتزيديني هما على هم". واستمررت في ذرف عبرات الخذلان والأسف... إن الهم الأكبر هو هم امرأة تحب زوجها وتعرف أن قلبه مشغول بحب امرأة غيرها... هذا هو الهم الأدهى والأمر... قلت: "إذا كنت متعلقا بها لهذا الحد ولا تستطيع الاستغناء عنها فاذهب إليها... أنا لن أجبرك على البقاء معي ولا على حبي... ما حاجتي إلى رجل مشغول القلب بغيري...؟؟... اذهب... ولا تعد إلي ثانية".
********************************
| |
|
| |
sun flower عضو نشيط
عدد الرسائل : 299 العمر : 34 العمل/الترفيه : -- تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: رواية انت لي الأحد فبراير 22, 2009 4:43 pm | |
| "أجّل سفرك". نظر شقيقي إلي باستغراب ثم سأل: "عفوا؟؟ ماذا؟" فكررت مؤكدا والجد يملأ عيني: "أجل سفرك يا وليد ودعنا نسوي الأمور ونحل المشاكل أولا". قال بانزعاج: "أتجلبني من المزرعة إلى هنا مفزوعا على وجه السرعة... مسببا ما سببت هناك... لتقول لي أجل سفرك؟ يا سامر وضح ماذا لديك؟ وما بها رغد؟" أجبت بكل جدية: "أم تقل إنك لا تريد إخطارها عن حضورك؟ ألم أقل لك إن هذا سيحزنها؟؟ إذن لماذا ذهبت إلى بيت خالتها اليوم وقابلتها؟ وبطريقة جافة؟ ألا تعرف كم من الحزن سببت لها معاملتك هذه؟ إذا كنت قد ضقت ذرعا بها ولا تريد تحمل أعباء مسؤوليتها بعد الآن ولا تطيقها بسبب خلافك مع أهلها فانقل الوصاية الكاملة إلي أنا ونهائيا". دوهم أخي وحملق في... وأنا أركز في عينيه بحدة وشدة... ثم سألني: "ماذا تعني؟؟" فأجبت منفعلا: "أعني أن تتنازل عن الوصاية عليها لي أنا... وأخلصك من هذا العناء تماما". وإذا بالحمرة تلون وجه وليد وإذا به يقول مهددا: "كيف تجرؤ؟؟" فأجبت بحدة: "على الأقل... أنا سأعاملها معاملة حسنة تليق بها كابنة عم وحيدة ويتيمة الأبوين". وقف وليد فجأة وهتف بغضب: "أتعني أنني لا أحسن معاملتها يا سامر؟" فوقفت تباعا ورددت بصوت قوي: "هل تسمي هذه القسوة والصرامة والخشونة... معاملة حسنة؟؟ وليد... لقد كنت أزورها قبل اتصالي بك... اتصلت بي الخالة وطلبت مني أن أذهب إليها... أخبرتني بأنك ذهبت إليهم ظهرا وقابلت رغد والله الأعلم ماذا قلت لها... وجعلتها تحبس نفسها في غرفتها منذ ذلك الحين ولا تفتح الباب لأحد... حاولت أن أكلمها لكنها طلبت مني الانصراف... أنا لا أعرف ما الذي قلته لها وجعلتها تحزن لهذا الحد... ثم تريد السفر بلامبالاة... وتتركني أنا أواجه الأمر وأرمم ما تهدمه أنت... أتسمي هذه معاملة حسنة؟؟" وليد نظر إلى ساعة يده... وبدا متوترا... ثم قال: "اتصل بها". ولم أتحرك... فقال وليد: "الآن". فقلت: "أقول لك إنني قدمت من عندها قبل ساعتين وهي منزية على نفسها... وهاتفها مغلق منذ النهار". قال: "إذن اتصل بهاتف المنزل واسأل عنها ودعني أكلمها". بقيت واقفا في موضعي... أنظر إلى أخي بتشكك... ثم سألته: "أخبرني أولا... ما الذي قلته لها؟؟ لماذا ذهبت إليها؟؟" فأجاب مندفعا: "أنا لم أذهب لزيارتها بل مررت لسبب آخر... ولم أقل شيئا". فقلت: "إذن لماذا هي محطمة هكذا؟ لا بد أنك قلت أو فعلت شيئا جارحا حتى لو لم تدركه". وهذه الجملة استفزت أخي فهتف بغضب: "وهل تراني وحشا ذا مخالب وأنياب؟؟" قلت غاضبا: "لا أراك تقدر شيئا أو تفهم شيئا... ألا تعرف ما تعني لها وما يعني رضاك أو غضبك؟؟ إما أن تكون أعمى أو بلا إحساس... وفي كلتا الحالتين لا تصلح لرعاية رغد... فدعني أتولى أمرها بنفسي من الآن فصاعدا". سكت وليد مبهوتا وتبعثرت نظراته ثم استجمعها واسترد رباطة جأشه وقال: "اتصل الآن". ألقيت عليه نظرة مستهجنة ثم توجهت نحو الهاتف واتصلت بمنزل الخالة فأجابتني هي وعلمت منها أن رغد لا تزال حبيسة غرفتها وطلبت منها استدعاءها للتحدث معي فلم تستجب, وقلت لخالتي بأن تخبرها بأن وليد يريد التحدث معها ولكنها أيضا لم تستجب... حين وضعت السماعة على الهاتف رأيت أخي ينظر إلى ساعة يده ثم يقول: "إذن دعنا نذهب". انطلقنا من فورنا بسيارتي إلى المدينة الصناعية. عندما وصلنا إلى منزل أبي حسام لم يخرج وليد من السيارة بل قال: "تعال بها". التفت إليه وقلت: "لم لا تأتي معي ونسوي المشكلة مع العائلة الآن؟" فرد: "ليس هذا وقته". وتركته في انتظاري في السيارة ودخلت إلى المنزل, لم تفتح رغد الباب إلا بعد أن أقسمت لها مرارا وتكرارا أن وليد قد حضر معي ويريد مقابلتها... وعندما فتحته ذهلنا للسواد الذي لون وجهها الكئيب حتى غدا مضاهيا لسواد وشاحها. نقلت بصرها بيننا ثم سألت: "أين هو؟" فأجبت: "ينتظرنا في السيارة". وبدا عليها عدم التصديق ونظرت إلى خالتها تبحث عن تأكيد فقالت أم حسام: "لقد أحضره سامر ولكنه لا يريد دخول منزلنا كما تعرفين". فأطرقت رغد برأسها وقالت: "أنتم تكذبون علي". وتراجعت خطوة بعكازها إلى الخلف فقلت بسرعة: "ولماذا سنكذب عليك يا رغد تعالي وتأكدي بنفسك". بعثرت رغد علينا نظرات التشكك ثم قالت: "إذا اكتشفت أنكم تخدعونني..." فقاطعتها الخالة: "يهديك الله يا رغد... انظري إلى حالك وحالنا معك... اذهبي معه وارحمي نفسك وارحمينا". ورافقتني رغد يدفعها الأمل خطوة ويوقفها الشك أخرى حتى صرنا أمام السيارة ورأت وليد بأم عينيها... نظرت إلي غير مصدقة فقلت مؤكدا: "هل صدقتني الآن؟" ثم فتحت لها الباب الخلفي فجلست خلف مقعدي ورأيت أخي يلتفت إليها وسمعته يلقي التحية. جلست على مقعدي والتفت إلى أخي وسألت: "إلى أين؟" فأجاب: "جولة قصيرة". وسرنا يرافقنا الصمت الشديد.... وربما كانت أفئدتنا تتخاطب وأفكارنا تتصافح دون أن نشعر بها. بمحاذاة الكورنيش طلب مني أخي أن أوقف السيارة وأشار بيده نحو المقاعد الإسمنتية العامة قائلا: "دعونا نجلس هنا قليلا". وسبقنا بالخروج من السيارة والتوجه نحو المقاعد. التفت إلى رغد فرأيتها قابعة في مكانها والتوتر جلي على وجهها ويدها ممسكة بطرف وشاحها بانفعال. سألتها: "ألن تنزلي؟" فأجابت بصوت وجل: "ماذا... يريد؟؟" فقلت مطمئنا: "مم أنت خائفة؟ ألست تريدين التحدث معه؟؟ هو هنا لن يسمعك.." وإن كنت غير واثق مما سيقوله... وإذ بدا على رغد التردد, شجعتها قائلا: "فرصتنا لنقول كل ما نريد ونضع الحروف على النقط... طلبت منه أن يؤجل سفره حتى نحل المشاكل العالقة أولا..." وأخيرا خرجنا من السيارة وذهبنا نحو وليد... ترددت رغد في الجلوس فأخرجت منديلا ومسحت المقعد لأنظفه وقلت: "تفضلي". وعندما جلسنا جوارها ثم التفت إلى وليد وقلت: "ندخل في الموضوع مباشرة... يجب أن تؤجل رحلة الغد وتعيد الحسابات". قال وليد: "لا مجال... سفري ضروري للغاية". ثم التفت نحو رغد وقال: "لا يمكنني أن آخذك معي الآن يا رغد". وما كاد ينهي الجملة حتى انهارت رغد فجأة... وكأن جملة وليد كانت الدبوس الذي فجر البالون... قالت وهي شديدة التهيج وتكاد تمزق طرف وشاحها المشدود بين يديها: "أنا لست متواطئة مع خالتي... ولست راضية عما قالت... ولن أحدث أي مشاكل مع أروى بعد الآن... سأهتم بدراستي فقط... لن أسبب لك أي إزعاج... وأي شيء سأحتاجه سأطلبه من سامر... سأبقى منعزلة في غرفتي أدرس وأرسم... وسأنفذ كل ما تطلبه مني... لكن أرجوك... دعني أعود إلى بيتي وجامعتي... فأنا ليس لي غيرهما ولا أريد أن أتشرد ويضيع مستقبلي أكثر من هذا أرجوك..." وانخرطت رغد في بكاء قوي مؤثر... كأنها كانت تربطه عنوة على طرف حنجرتها وأفلت منها بغتة دفعة واحدة... كان منظرها مؤلما جدا... وقفت كما وقف أخي وسرنا مقتربين منها... وصرنا أمامها مباشرة... قال وليد: "ما الذي تقولينه؟!" فقالت رغد بنفس الانفعال: "سأفعل ما تطلبه مني لكن لا تتركني هنا أرجوك... أعدني إلى بيتي وجامعتي... سأطلب من أقاربي أن يعتذروا منك... الآن إذا شئت... وسأتصالح مع الشقراء وأنسى أنها من تسبب بإصابتي... قل لها أنني لن أزعجها أبدا ولن تشعر بوجودي في المنزل... أرجوك لا تذهب بدوني... أرجوك..." كدت أبكي مع رغد... أخرجت مناديل وقدمتها لها تمسح دموعها وأنا أقول: "كلا يا رغد أرجوك... تماسكي". ونظرت إلى شقيقي فرأيته يحملق فيها مندهشا من سوء حالتها... ثم يجلس على المقعد بجوارها ويسند مرفقيه إلى ركبتيه وجبينه إلى كفيه ويجذب عدة أنفاس قوية ثم يلتفت إليها ويقول: "رغد... أروى لن تأتي معي هذه المرة ولذلك لا أستطيع أخذك". فالتفتت أيه رغد ومسحت دموعها... تابع وليد: "عندما تتحسن الأوضاع سنعود جميعا... لكن الآن... صعب". فقالت رغد: "لماذا؟" فأجاب أخي: "قلت لك.. لأن أروى لن ترافقنا وهي ما تزال غارقة في الحزن على فقد والدتها رحمها الله... لا نستطيع الذهاب أنا وأنت وسامر... لن يكون هذا مقبولا لن توافق خالتك". فقالت رغد بسرعة: "لا تأبه بكلام خالتي". فرد وليد: "ليست خالتك فحسب... إن كان هذا تفكيرها هي فكيف بتفكير الآخرين؟" فردت رغد: "أنا لا آبه بتفكير أحد... أنت في مقام أبي.. وسامر أخي.. أنتما عائلتي الحقيقية وليس لي ملجأ غيركما". وليد نظر إلي ليرى وقع الكلام على نفسي... فأرسلت نظري بعيدا عنه... ثم سمعته يقول: "حسنا يا رغد عندما آتي في المرة المقبلة..." ولم يتم كلامه لأن رغد قاطعته منفعلة: "كلا.. لن يكون هناك مرة مقبلة... سأذهب معك الآن... أرجوك لا تتركني". فقال وليد: "سأسافر باكرا يا رغد... لم نرتب لسفرك وسامر". فقلت: "أجل سفرك يوما أو يومين على الأكثر وسيكون كل شيئا مرتبا". فالتفت أخي إلي وقال: "لا يمكن. لدي اجتماع مهم للغاية صباحا.. أمر معد له بصعوبة منذ أسابيع". فقالت رغد مصرة: "سآتي معك". فنظر وليد إليها وقد علاه الانزعاج وقال: "يستحيل ذلك الآن. سنناقش الأمر في المرة التالية". فقالت رغد وهي تنهار مجددا وتفقد تماسكها: "أنت تكذب علي... لا تريد أخذي معك... تماطل إلى أن أمل وأكف عن ملاحقتك... قلها صراحة يا وليد إنك لم تعد تريد كفالتي... تريد أن تتخلص مني حتى تكسب خطيبتك ويصفو لها الجو معك وحدك".
| |
|
| |
| رواية انت لي | |
|